“الحب بعد الستين”… حين تتحدى العاطفة شيخوخة الجسد وتعيد رسم هوية الإنسان

 

ارض بلادي -اسماء بومليحة 

 

في زمن تتسارع فيه التحولات الاجتماعية وتُختزل فيه العاطفة في صور نمطية مرتبطة بالشباب، تبرز مرحلة الشيخوخة كمساحة مهملة في النقاش العمومي، رغم ما تحمله من ثراء وجداني وتجارب إنسانية عميقة دراسة سوسيولوجية حديثة تسلط الضوء على هذا الجانب المنسي، وتعيد طرح سؤال مركزي: هل يُسمح للمسنّ بأن يحب؟

العاطفة في الشيخوخة… رحلة بين الذاكرة والجسد

تُظهر المعطيات أن الحب في مرحلة الكبر لا يذبل كما يُشاع، بل يتحول إلى تجربة أكثر عمقًا وهدوءًا، رغم ما يرافقها من تراجع جسدي وتحديات صحية فالمسنّ يعيش إحساسًا متزايدًا بالحاجة إلى المساندة العاطفية، وإلى الاعتراف بوجوده وكيانه، بعيدا عن النظرة المتحفظة التي يفرضها المجتمع.

وتُلقي الدراسة الضوء على أن الشيخوخة ليست مجرد تدهور بيولوجي، بل مسار لإعادة ترتيب العلاقات والبحث عن الطمأنينة، واستحضار الماضي كجزء من بناء الحاضر.

منتصف الليل… لحظة مواجهة مع الذات

يُعدّ منتصف الليل لحظة رمزية تتكثف فيها المشاعر لدى كبار السن في هذا الوقت، تعاود الذاكرة استحضار صور الأحباء، وتطفو مشاعر الوحدة والحنين فوق السطح وهنا يتجدد السؤال الداخلي:

هل ما زال بالإمكان أن نحب؟

تصف الدراسة هذه اللحظة بأنها “ممرّ وجداني” يعيد اكتشاف الذات، ونافذة يطل منها المسنّ على ما تبقى من العمر بعين متصالحة، ساعيًا إلى دفء إنساني يواجه برود الجسد وتقلّبات الشيخوخة.

مجتمع لا يُنصت إلى المسنّ… وقلبٌ لا يزال نابضًا

ورغم قيمة هذه التجربة الوجدانية، ما تزال الأحكام الاجتماعية تشكل حائطًا صلبًا أمام المسنّ الذي يحاول التعبير عن عاطفته. فالمحيط يرى الحب حكرًا على الشباب، بينما تُهمّش احتياجات كبار السن العاطفية، وتُقرأ رغباتهم باعتبارها “محرجة” أو “خارج الزمن”.

إلا أن الدراسة تبرز أن الحب في الشيخوخة ليس مجرد علاقة عاطفية عابرة، بل هو حقّ إنساني وضرورة نفسية تساعد على مواجهة العزلة والانكسارات التي تفرضها التحولات العمرية.

العاطفة بين الفردانية الحديثة وتراجع الروابط الأسرية

تبيّن الدراسة أن بروز الفردانية في المجتمعات الحديثة ساهم في تعميق عزلة كبار السن، بعد تفكك الروابط التقليدية وتراجع دور الأبناء في تقديم الدعم العاطفي ورغم ذلك، لا يزال المسنّ يحاول ترميم هذا الفراغ، سواء عبر الذكريات أو عبر محاولات جديدة لبناء روابط إنسانية تعيد إليه شعور الانتماء.

خلاصة… الحب لا يشيخ أبداً

تشدد الدراسة على أن الحب في مرحلة الشيخوخة ليس ضعفًا ولا خروجًا عن المألوف، بل هو فعل مقاومة ضد الفراغ، وإصرار على البقاء قيد الحياة بهدوء وكرامة وتدعو إلى ضرورة تغيير نظرة المجتمع نحو المسنّ، واحترام حقه في التعبير عن مشاعره دون وصاية.

فالحب، كما تقول الدراسة، لا ينطفئ بانطفاء الجسد، ولا يشيخ بانحناء الظهر… بل يظل آخر ما يقاوم الرحيل.