الطفل المتشرد قصة للأطفال مصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي_ليلى التجري_
مصطفى لغتيري_

كعادتها استيقظت زينب عند أول نداء أطلقته أمها. فتحت عينيها ببطء فداعبهما نور الصباح الخفيف. رفعت عنها الغطاء بمهل، ثم انسلت من سريرها. وضعت النعل في رجليها وتوجهت طرا نحو الحمام. غسلت وجهها، ثم توجهت نحو المطبخ، لترى أمها منهمكة في إعداد طعام الفطور، اقتربت منها وقالت محيية:
– صباح الخير ماما.
ردت عليه أمها:
– صباح الخير زينب. هيا رتبي محفظتك قبل أن أجهز الفطور.
– حاضر ماما.
رتبت زينب محفظتها. وضعت فيها كل الكتب والدفاتر التي تحتاجها في هذا اليوم، كانت تتأكد من ذلك بإطلالة خفيفة على استعمال الزمان الذي تلصق نسخة منه في مكان مميز .
بعد ترتيبها لمحفظتها قصدت المطبخ. جلست على كرسي فوضعت أمها لها كأس حليب وخبز بالجبنة والمربى. تناولت كفايتها، ثم قصدت خزانة الملابس فارتدت وزرتها الوردية، في حين كانت أمها تضع لمساتها الخفيفة على شعرها، ترتبه بشكل جميل.
حملت زينب المحفظة على ظهرها، وملأت حقيبة صغيرة بتفاحة وعصير فواكه وقطعة حلوى، وغادرت البيت بعد أن قبلت أمها، لتمضي في طريقها نحو المدرسة بنشاط وحيوية. كانت متعجلة في سيرها وهي تستظهر بصوت غير مسموع جدول الضرب. تنتقل من رقم إلى آخر، محاولة التركيز على أسهل طريقة تمكنها من استيعاب عملية الضرب حتى رقم تسعة.
كانت زينب تمشي على الطوار وهي ترمق حركة المرور المكتظة، انتبهت إلى كيس صغير عبارة عن مغلف لإحدى الحلويات التي يستهلكها الأطفال، مدت يدها نحوه، احتفظت به في يدها حتى رأت صندوق قمامة فرمته هناك، ثم واصلت طريقها في اتجاه المدرسة. فجأة حانت منها التفاتة نحو مكان لا يبعد كثيرا عن الطوار، فرأت طفلا يكاد يقارب عمرها متكوما على ذاته وهو في حالة بئيسة. توقفت زينب، نظرت إليه فراعها حاله، وهو منكمش على ذاته يحاول قهر برد الصباح الذي عجزت ثيابه الرثة عن طرده. فكرت أن تذهب إليه وتسأله، لكنها ترددت، لم تمتلك الشجاعة للقيام بذلك. فكرت أن الطفل قد يكون جائعا، فطالما سمعت عن أطفال الشوارع الذين يكونون عرضة للجوع والبرد وسوء المعاملة من بعض الأشرار.
حين استحضرت كل ذلك عمدت إلى حقيبتها الصغيرة، أخرجت ما بها من مأكولات، اقتربت قليلا وضعتها على مصطبة نظيفة، ثم نادت الطفل:
– أخي أخي.. خذ هذا فإنه لك.
ما ان انتبه الطفل لها، وتأكدت من أنه فهم قصدها، حتى ركضت في اتجاه مدرستها، فيما أسرع الطفل نحو الطعام وأمسكه بيد مرتفجة وقلب مضطرب وعينين تكادان تفقدان القدرة على البصر بسبب الجوع والبرد.
قضت زينب يومها مضطربة تفكر في ذلك الطفل المسكين، وهي عاجزة عن تقديم يد المساعدة له. لم تكن مركزة في دروسها، كانت حزينة ومشوشة، وفي لحظة ما طفرت من عينيها دمعة، لاحظتها المعلمة، فاقتربت منها وسألتها:
– ما بك يازينب؟
مسحت الفتاة دمعتها، ثم قالت:
– لا شيء معلمتي.
ربتت المعلمة على رأسها، ثم قالت:
– لا بأس عليك يا زينب، لكن اعلمي أنك لو أخبرتني بمشكلتك فقد أستطيع مساعدتك.
لحظتها انهمرت من عيني زينب دموع بلا حصر، ثم قالت:
– الحقيقة معلمتي لقد صادفت في طريقي نحو المدرسة أحد أطفال الشوارع، الذين حدثتنا عنهم في درس التربية على المواطنة.
– نعم، وكيف تصرفت تجاهه.
– أنا عاجزة عن فعل أي شيء. لهذا أنا حزينة.
– لا تحزني زينب.. شعورك هذا نبيل، ولكل مشكل حل.
– وما حل هذا الطفل معلمتي؟
– إنه حل بسيط. إن كان يقرب من بيتكم، أخبري أباك وسيتصرف. هناك ملاجئ خاصة لهؤلاء الأطفال، وقد يساعده أبوك في دخول أحدها.
فرحت زينب بهذا الحل، وقررت أنها حين تعود للبيت ستطلب من أبيها أن يساعد الطفل المتشرد.
مر الوقت بطيئا، وزينب تتخيل ذلك الطفل وقد وجد له مأوى يأويه ويقيه من البرد والجوع ويحميه من اعتداء الأشرار عليه. وما إن دق جرس الخروج حتى ركضت نحو البيت ركضا. وحين وصلت المكان الذي كان الطفل فيه صباحا لم تجده، فحزنت لذلك. في نفسها تساءلت كيف يمكن لأبيها أن يعثر عليه إن رغب في مساعدته.
دخلت زينب البيت حزينة، فلاحظت أمها ذلك، فسألتها:
– ما الذي يحزنك يا بنيتي.
ردت زينب:
– لا شيء ماما.
ألحت الأم عليها فأخبرتها بكل شيء. تأثرت الأم بكلام ابنتها، فسحبتها إلى حضنها. عانقتها بقوة، ثم قالت لها:
– اطمئني زينب، قد يجد الطفل حلا، فكما حرك مشاعرك، فلابد أنه سيحرك مشاعر كثير من الناس فينقذوه.
لم تقتنع زينب بكلام أمها، فسالت دموعها من جديد، ثم دخلت غرفتها وظلت لوحدها تفكر في مصير الطفل المتشرد.
عاد الأب من العمل، كان كعادتها يطمئن على ابنته الوحيدة كلما دخل البيت، لا حظ غيابها فسأل زوجته:
– أين زينب؟
ظهرت علامات الحزن على وجه أم زينب فردت عليه:
– إنها تغلق عليها غرفتها. إنها حزينة.
– ما بها ؟ سألها الأب.
حكت له زوجته حكاية ابنتهما، فرسم على شفتيه ايتسامة اعتزاز بابنته وقلبها الطيب. توجه نحو الغرفة. دق الباب وفتحه، فرأى زينب مكومة على نفسها، في حالة تدعو للأسى. اقترب منها ثم خاطبها قائلا:
– لقد عرفت الحكاية يا زينب. أنا فخور بك لأنك تفكرين في سعادة الآخرين ويهمك أمرهم. اطمئني يا بنيتي. سنبحث عنه وسنساعده في الدخول إلى أحد مآوى الأيتام.
خفق قلب مريم بشدة، قامت من مكانها وارتمت في حضن أبيها، وهي تشكره بكلمات أدخلت السرور إلى قلبه. ثم قالت له سائلة:
– متى تفعل ذلك بابا؟
– غدا سأرافقك وتدلينني على مكانه، وإن عثرنا عليه فلن أتركه حتى يكون في مكان آمن، أما إذا خرجنا الآن البحث عنه فلن نجده، لأن هؤلاء الأطفال يتجولون في شوارع المدينة طيلة اليوم،ومن الصعب العثور عليهم في مكان محدد.
اقتنعت زينب بكلام أبيها، فعادت الابتسامة إلى محياها. ثم أخذت كتبها لتراجع دروسها، وحين أزف الليل استلقت في فراشها لتنال حصتها من النوم، في انتظار يوم الغد ، الذي سينقذ فيه أبوها الطفل المتشرد من الضياع.
.