العلاقات المغربية الفرنسية الى أين؟

بقلم: عبد اللطيف بوهلال

إن المغرب يتجه تدريجا نحو احداث قطيعة مع العالم الفرنكفوني ، حيث باتت الأضواء مسلطة على توتر العلاقات بين المغرب وفرنسا، والتي تفاقمت إثر الزلزال الذي ضرب إقليم الحوز والمناطق المجاورة مخلفا خسائر بشرية ومادية فادحة.

هذا الزلزال كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، بسبب الهفوة الدبلوماسية التي سقط فيها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون بعدما قرر مخاطبة الشعب المغربيخصوصاأن حكومة ماكرون اختارت استراتيجية التقارب مع الجزائر، التي، كما نتذكر، تشن حربا بالوكالة ضد المغرب منذ عام 1975، معتبرة أن حجة “الحياد” الفرنسي تجاه قضية الصحراء أصبحت مرفوضة من المغرب، وأن المملكة تحتفظ بشراكتها الاستراتيجية للدول التي تعترف بسيادتها على هذه المنطقة، كما كان الحال مع واشنطن وتل أبيب.

المتابع لهذا الموضوع سيقف على أن كل من المغرب أو فرنسا  لم يوضحا رسمياً أسباب الجفاء، لكن مصادر هنا وهناك أسهبت في الاجتهاد وذكرت أسباب من هنا وهناك، كملف برنامج بيغاسوس الذي اتهمت وسائل إعلام ومنظمات الرباط باستخدامه ضد شخصيات منها شخصيات فرنسية رفيعة كماكرون

ثم يأتي ملف التأشيرات إلى فرنسا التي خفضتها باريس إلى الحد الأدنى “رداً على عدم تعاون المغرب في مجال الهجرة”، وهو إجراء اتخذته كذلك بحق الجزائر وتونس.

كما تبين مؤشرات أخرى تضايق المغرب من عدم اتخاذ فرنسا لإجراءات ملموسة تدعمه في نزاع الصحراء، فضلاً عن اتهامات من وسائل إعلام مغربية لباريس بالمساهمة في توتر المغرب مع جهات أوروبية كالبرلمان الأوروبي، والتأثير على قراراته الأخيرة المتعلقة بـ”مزاعم رشاوى مغربية”.

هذه العلاقات متوترة منذ أكثر من سنتين منها ما ذُكر في الصحافة ومنها ما لم يُذكر فعدم إعلان فرنسا عن نتائج التحقيق في قضية بيغاسوس وبقاؤها في منطقة رمادية، عمّق من الأزمة، تماماً كما حدث مع الاتهامات التي وجهها أعضاء من حزب ماكرون “النهضة” للمغرب من مؤسسة البرلمان الأوروبي.

هنا يتبين أنه فعلا هناك أزمة حالية في العلاقات، لكنها استمرار لأحداث سابقة ، فقد كانت هناك زيارات متعددة لملك المغرب إلى فرنسا، دون أن يتصل به ماكرون لأسباب تتعلق بقضية بيغاسوس، ما قد يكون دافعاً لملك المغرب لأجل الرد”.

 هذه الأزمة تعمقت أكثر في الزلزال الأخير. لم يستعن المغرب بفرنسا، وهو ما يراه أي متتبع للشأن الوطني المغربي  أن الرباط قادرة على مواجهة الوضع دون باريس، وأنه إذا كانت الحاجة لدعم خارجي (تمت الاستعانة رسمياً بأربع دول) ففرنسا ليست بينها، ما يعني “أن زمن التعويل على فرنسا انتهى”، خصوصا أن التغطية الإعلامية الفرنسية للزلزال كانت سلبية واقتربت من “التحريض والتحريف”.

خطاب ماكرون الأخير هو رغبة لتعويض ما فات وللتصالح مع المغرب، لكنه لم ينجح بعدما أشار من خلاله إلى أن قبول المغرب للمساعدات الدولية أمر سيادي ويعود للسلطات المغربية.

اذن من منظور واقعي تبقى العلاقة المغربية- الفرنسية استراتيجية، ورغم أزمات كثيرة مرّت بها، إلّا أن المصالح الاقتصادية وحتى السياسية ذوبت الكثير منها. وكانت فرنسا إلى عهد قريب المستثمر الأجنبي الأول في البلاد بينما المغرب هو المستثمر الإفريقي الأول في فرنسا.

فإلى أين  تتجه الأزمة بين الرباط وباريس؟

 إن العلاقات بين البلدين محكومة بالتاريخ والمصالح المشتركة، ومن المستبعد جداً أن يستمر الفتور في العلاقات مدة طويلة، نظراً لثقل التاريخ وحاجة فرنسا للمغرب في قضايا الهجرة والمغتربين والاستثمارات التي تباشرها الشركات الفرنسية العاملة بالمغرب.

الأزمة قائمة، لكنها لن تستمر طويلاً، لأن المصلحة الفرنسية الحتمية تقتضي أن تطور باريس علاقاتها مع الرباط رغم ما نشاهده، مؤخراً، من تقارب فرنسي جزائري نتيجة لتداعيات الحرب الأوكرانية والحاجة إلى الغاز.

ومنذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه سنة 2017، والعلاقات المغربية الفرنسية تعرف مداً وجزراً، وعاشت على وقع توتر صامت تحول إلى “مواجهة مفتوحة” دارت رحاها على جبهات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وحتى إعلامية.