المغرب يرسّخ مكانته كقوة بحرية صاعدة في قلب التجارة العالمية

جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-

لم يعد الموقع البحري للمغرب مجرد امتياز جغرافي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، بل تحول إلى ركيزة أساسية في استراتيجية قوة بحرية ولوجستية متكاملة. فالمملكة تخطو اليوم بثبات نحو تكريس دورها كفاعل محوري في منظومة التجارة العالمية، قادر على التأثير في تدفقات السلع والتحكم في مفاصلها الاستراتيجية.

ويجسد دخول شركة مرسى المغرب إلى رأسمال Boluda Maritime Terminals بنسبة 45%، باستثمار يناهز 80 مليون يورو، هذا التحول النوعي في الرؤية المغربية. فالمغرب لم يعد يكتفي بمواكبة حركة الملاحة البحرية، بل بات يسعى إلى امتلاك أدوات التحكم في مساراتها ومراكز قرارها.

وقد صادق مجلس إدارة مرسى المغرب، في 19 نونبر 2025، على هذه العملية التي تمثل خطوة مفصلية في تعزيز السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية الرابطة بين أوروبا وإفريقيا والفضاء الأطلسي. كما تكرّس حضور المغرب على ضفتي مضيق جبل طارق، أحد أكثر الممرات البحرية حساسية واكتظاظاً في العالم. فمن الجنوب، يستند هذا الحضور إلى شبكة مينائية وطنية متكاملة تمتد من الناظور غرب المتوسط إلى الدار البيضاء وأكادير والعيون والداخلة. أما في الشمال، فقد وسّع المغرب نفوذه المباشر ليشمل تسعة محطات مينائية في إسبانيا وجزر الكناري، عالجت وحدها أكثر من مليون حاوية معيارية (EVP) خلال سنة 2024.

ولا يقتصر الرهان في هذه الخطوة على بعدها المالي، بل يتجاوز ذلك إلى أبعاد استراتيجية أعمق. فمن خلال التكامل مع Boluda Maritime Terminals وشبكة Boluda Lines، يلج المغرب إلى منظومة تضم 11 خطاً ملاحياً دولياً تربط أوروبا بإفريقيا الغربية والرأس الأخضر وإيطاليا وشمال أوروبا. هذا التشابك اللوجستي يضع المملكة في موقع مركز القرار، ويمنحها القدرة على توجيه التدفقات التجارية وضمان استمرارية الربط الاستراتيجي بين الأسواق الأوروبية والإفريقية.

وتستند هذه الدينامية إلى قاعدة تشغيلية متينة، إذ تشغّل مرسى المغرب حالياً 25 محطة في 11 ميناءً وطنياً، بحجم رواج سنوي يفوق 60 مليون طن. ومع هذا التوسع في أوروبا وإفريقيا، تجاوزت بصمة المجموعة 30 محطة موزعة على نحو 20 ميناءً، وهو مستوى يضع المغرب ضمن دائرة الفاعلين القادرين على التأثير المستدام في توازنات النقل البحري إقليمياً ودولياً.

غير أن هذه الطفرة لا يمكن فصلها عن الرؤية الجيو-اقتصادية الشاملة التي يتبناها المغرب. فالاستراتيجية البحرية للمملكة تندرج ضمن مشروع هيكلي يهدف إلى فتح إفريقيا على المتوسط والمحيط الأطلسي. ومن خلال تعزيز قدراته المينائية واللوجستية، لا يقدّم المغرب نفسه كمنصة وطنية فعالة فحسب، بل كبوابة استراتيجية تمكّن الاقتصادات الإفريقية، الساحلية منها والداخلية، من الاندماج السلس والآمن والتنافسي في الأسواق العالمية.

وفي ظل كون الاتحاد الأوروبي يمثل نحو 65% من المبادلات الخارجية للمغرب، واحتلال إسبانيا صدارة الشركاء التجاريين للمملكة، يمنح هذا التحكم اللوجستي المغرب أفضلية استراتيجية حاسمة. إذ يتيح للمصدرين المغاربة والأفارقة حلولاً متكاملة، ويقلص الاعتماد على ممرات خارجية، ويعزز تموقع إفريقيا في قلب سلاسل القيمة الأوروبية-الإفريقية.

ومن خلال ذراعها مرسى المغرب الدولية للوجستيك، تنفّذ المملكة استراتيجية «مرسى 2030»، التي تتجاوز تدبير البنيات التحتية إلى التحكم في سلاسل الإمداد، وتأمين التدفقات، واستشراف التحولات الكبرى في التجارة الدولية. وبعد توسعاتها الإفريقية، خصوصاً في بنين، تمثل الخطوة الأوروبية مرحلة جديدة في بناء حضور بحري مغربي عالمي، متماسك ومستدام.

ما يتبلور اليوم هو صعود قوة بحرية مغربية حقيقية، تجعل من المملكة معبراً لا غنى عنه بين إفريقيا وأوروبا، وبين المتوسط والأطلسي. فالمغرب لم يعد مجرد نقطة عبور، بل أصبح محوراً استراتيجياً في التجارة العالمية، قادراً على هيكلة التدفقات وتأمين مساراتها وفرض دوره في حكامة الممرات البحرية الدولية الكبرى.