المنشفة

جريدة أرض بلادي_الدار البيضاء_

الدكتور عبد العزيز حنون_
طبيب صحة وقائية – إعلامي _

كنا نشتري منشفة واحدة في بداية الدخول المدرسي ونعول عليها أن تمضي معنا السنة كاملة، لانه بنهاية الدخول المدرسي تنتهي معه جل الادوات المدرسية. كان ينبغي الحفاظ عليها حتى تساعدك كثيرا في تفادي عقوبات المعلمين الذي لا يحبون أن يروا الدفاتر إلا في نظام تام. كنا نكتب وقتئد بالحبر و الريشة. في كل صباح كان يحمل المعلم قنينة الحبر من حجم اللتر و يزود تلك المحابر “الدواية” الموضوعة في ثقوب خاصة بها في الطاولات . إذا ملأها كثيرا تصبح عندك مهمة صعبة أخرى وهي التصرف برشاقة حتى لا يسكب شيء منها على الطاولة, و تعلمون، أو لا تعلمون انتم جيل الستيلوات و بعدكم جيل الفأرة ، أن المداد فضاح كلما حاولت إزلته زاد توسعا وتلطيخا للطاولة.

كانت الطاولات مزركشة بين لون الخشب واللون المدادي وكلما كثر التلطيخ وعم كل طاولات القسم كان ينظم المعلم عملية تنظيف لتلك الطاولات المصنوعة من الخشب الرفيع، والتي عمرت سنوات و درست فوقها أجيال و أجيال حتى ازالتها، وهي ما زالت على أحسن حال، هذه الطاولات الخليط بين الخشب والحديد والتي لا تدوم طويلا حتى تجدها ضمن المتلاشيات. كنا نجمع بعض الريالات و نشتري قنينات بلاستيكية لجافيل لاكروى دات الرائحة النفاذة والجميلة التي لم أعد أجد مثلها اليوم . كنا نسكب منها فوق الطاولة و يمسح كل واحد منا جهده و جهته حتى يرجع لون الخشب إلى طبيعته الأولى نقيا وجميلا. كانت تغمرنا الغرحة بعد نهاية الورشة ونحس وكأن القسم تم تجديده. لكن الفرحة لا تدوم كثيرا لانه لا تمر إلا أيام حتى يبدأ التلطيخ نقطة نقطة حتى تعم الزرقة الطاولة من جديد..التلطيخ الحفيف للطاولة لم يكن يخيفنا كثيرا اللهم إلا إذا لعبت بالدواة وسكبتها كاملة على الطاولة، كنا نضربها من تحت الطاولة وتنط للاعلى وترجع لمكانها، آنذاك قد تنال شيئا من تجبيد الادنين او حكهما. اما التنقيط العرضي بالريشة كان معفوا عنه و لا بد منه.

كنا نتوفر على ريشات للكتابة بأشكال مختلفة. هناك الدقيقة الرأس وهناك الغليظة وهناك الدائرية وهناك المثلثة الجوانب.. كنا نغمسها في الدواة ونضرب رأسها بكياسة فوق فم الدواة حتى تتخفف من الحبر و تحمل فقط ما يكفي للكتابة بدون تلطيخ وكان عليك أن تحسن استعمالها إذا أردت أن ترقق أو تغلظ الخط وخصوصا في الفرنسية . من أجل الخط الغليظ عليك الكتابة بالرأس مباشرة و وضع الريشة بدون إمالة للجنب وإذا رغبت في خط رقيق فينبغي إمالتها للجنب..عملية الكتابة لا تخلو من مشاكل كسقوط نقطة حبر كبيرة أثناء الكتابة فوق الورقة أو تكون الريشة كثيرة التدميع مهترئة الرأس متفاقمة الجوانب كلما قومتها تزداد اعوجاجا.تلك طامة كبرى لانك ستكثر من الوسخ وستستحق العقوبة بالضرب على رؤوس الأصابع مجموعة بالمسطرة المكعبة الطويلة التي كان لا يملكها إلا المعلم.

بعد الانتهاء من الكتابة و بعد التركيز لتفادي أن “تدمع” الريشة وتفسد الحروف الدائرية كالعين والغين والفافء والقاف والميم و مثيلاتها في الفرنسية، التي كانت تشكل عقدة بالنسبة لمن لا يتحكم جيدا في الريشة، فتختلط الحروف فلا يفيد معها لتمييزها إلا فهم معنى الكلمة في سياق الجملة ..قلت بعد كل هذا التركيز عليك أن لا تقفل الدفتر قبل أن يجف الحبر و إلا أصبحت لديك لوحة فنية أخرى غير ملخص الدرس لان المداد سيتمدد ويرجع الصفحة كلها حريرة أو صيكوكا يستحق العقوبة من جديد ..إذا كنت مجبرا لقلب الصفحة لاتمام كتابة تمرين في الصفحة الموالية أو إقفال الدفتر فعليك أن تضع فوق الصفحة المكتوبة تلك الورقة من النوع الخاص، كانت بألوان متنوعة و سميكة شيئا ما، تسمى المنشفة. من خصائصها أنها تمتص السوائل بسهولة و تنشفها..كانت المنشفة مهمة لكنها لن تستطيع القيام بكل شيء لوحدها، لانك إذا وضعتها بشكل غير متأن ولو كانت جيدة النوع ستخلط لك كل شيء. أما إذا كانت من النوع الرديء أو لا تتوفر إلا على “الكاغط” الازرق “لقالب” السكر فما عليك الا أن تهيء جلدك للدباغة بعد كل حصة كتابة…