بطولة أمم إفريقيا للمحليين بالجزائر وسياسة “الغسيل الرياضي”

بطولة أمم إفريقيا للمحليين بالجزائر

وسياسة “الغسيل الرياضي”

الحسين أيوسف

 

  • إنتاج المصطلح صناعة مهمة في اللغة، ومن اختصاص من يملك المعرفة وينتجها، وتكمن أهمية المصطلح في التأثير الذي يمكن أن يحدثه في المفهوم، لذا تتم صناعته بطريقة مدروسة وليس بشكل اعتباطي.
  • على سبيل المثال مصطلح “الغسيل الرياضي”: حيث يحيل مصطلح الغسيل إلى التنظيف والتلميع في مفهومه الإيجابي، لكن اللفظ يستخدم كذلك للتعبير على فضح الجرائم والأوجه القبيحة، كما هو الحال بالنسبة لغسيل الأموال التي تعتبر من أبشع الجرائم. لكون الهدف هو إضفاء الشرعية على أموال المخدرات والدعارة والاختلاسات…. وعلى غرار غسيل الأموال، انتشر مصطلح الغسيل الرياضي، أو التبييض الرياضي، للتعبير عن استخدام الرياضة كوسيلة لتحسين صورة دولة أو نظام من خلال استضافة أحداث رياضية كبرى، أو شراء ورعاية فرق رياضية، أو المشاركة في التظاهرة الرياضية نفسها لإخفاء الوجه البشع لهذا النظام.
  • فالغسيل الرياضي أضحى سياسة مُمنهجة، للظهور وسط الكبار، وكإستراتيجية  لتعزيز الحضور على الساحة العالمية.
  • هذه الإستراتيجية “الغسيل الرياضي” تعتبر إحدى الآليات الذكية والمؤثرة، التي تستخدمها الدول لإلقاء الضوء على سياساتها المُنتهجة لتعزيز قوتها الناعمة، في إبراز أو ترميم صورتها الخارجية لمواجهة الانتقادات الحادة.
  • لكن إلى أي حد يمكن أن تنجح أو تفشل هذه الإستراتيجة عند بعض مُنتهجيها؟
  • ولكي نفهم جيدا دور استضافة هذه الأحداث الكبرى(الرياضية) في التلميع، نعطي على سبيل المثال محركات البحث على الشبكة العنكبوتية، حيث تظهر دولة ما في نتائج البحث الكثيرة بمجرد كتابة اسم الدولة، فتبرز التظاهرات الرياضية والفنية المنظمة من لدنها أولا، دافعة بنتائج انتهاكات حقوق الإنسان أو بكل ما يسيء لها إلى آخر قوائم نتائج البحث.
  • على سبيل المثال أيضا، لخدمة قطاع السياحة يتعمد في نشر صورة، أو ذكر اسم شخصية بارزة كمغنية أو لاعب تنس…في زيارة للبلد، من أجل إرسال إشارات، إلى الجماهير التي تراقب، وتركز على المشاهد الجميلة، فمن تم تترسخ في الأذهان فكرة أن الأمور جميلة والباقي ثانوي.
  • وإن كان المصطلح (التبييض الرياضي) جديدا، فإن الممارسة قديمة. مما يدفعنا بالقول أن نظام العسكر بالجزائر استفاق متأخرا، بمحاولته نهج سياسة الغسيل الرياضي بطريقة غبية، حين كان يأمل من خلال تنظيم الشان، أن ينجح في تطبيق الإستراتيجية، وأن يجعل الرأي العام يفكر بشكل إيجابي اتجاهه. لكن ببلادة المنظمين سقطوا في المحضور، عندما تم خلط السياسة بالرياضة بشكل فج. فانقلب السحر على الساحر، فتسبب “التبييض الرياضي”، ردود فعل عكسية، وبالتالي لَفت ذلك، الانتباه إلى الأشياء التي كان نظام العسكر يحاول إخفاءها عن العالم.
  • لأن سياسة الغسيل الرياضة تنجح عندما يكون البلد مؤهلا لذلك، وتتخلص فعلا من كل ما يسيء لسمعته، آنذاك تتم دراسة بشكل جيد نوعية التظاهرة وقوانينها للالتزام بها، والوفاء للتعهدات مع الشركاء. ولكي تستضيف بطولة أمم إفريقيا للمحليين التي ينظمها ويرعاها الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (للكاف)، لا يعني أنك واضع قوانينها، فاللعبة لها قوانين مؤطرة، وجهة ترعاها وتسهر على احترام القوانين. ومن ضمن تلك الشروط، هي الفصل بين الرياضة والسياسة، وهو أمر جوهري بالنسبة  للكاف وكذلك الفيفا. أما أن تضع نفسك في مواجهة الكاف والفيفا، فإنه الغباء السياسي والرياضي.
  • جميل أن يستغل نظام معين أو بلد مضيف لتظاهرة رياضية أو فنية، لإبراز مؤهلاته الاقتصادية والحقوقية، وتلميع صورته. لكن أن تُستغل الجماهير الرياضية للتحريض على الكراهية بين شعبين من طرف نظام العسكر، والإمعان في صب الزيت على النار، فهو خرق سافر لقوانين اللعبة وتشويه لهدفها النبيل.
  • فمتى يمكن الحديث عن نجاح الإستراتيجية من فشلها؟
  • ـ نموذج قطر:
  • قطر الدولة الصغيرة التي صنعت لها مكان بين الكبار، وسعت بنجاح للتطور والنمو، مستثمرة مواردها وطاقاتها ومؤهلاتها، بسياستها المتزنة والمتنوعة، وانفتاحها الاقتصادي والثقافي، ووساطاتها في حل النزاعات الدولية، وتحركاتها الصائبة على مستويات عدة، بما استفادت منه قطر نفسها والمجتمع الدولي أيضا.
  • فنجحت قطر في سياستها أولا، قبل إنجاح التظاهرة الرياضية. لأن التظاهرة الرياضية مناسبة لإبراز النجاحات وليست مدخلا للنجاح. التعليم مثلا في قطر استحوذ تطويره على اهتمام بالغ من الحكومة القطرية، فتصدرت قطر بذلك قائمة الدول العربية في مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، كما أنها احتلت المركز الرابع عالميا بعد سنغافورة وسويسرا وفنلندا، استنادا إلى مؤشر ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺴﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ الذي حدده المنتدى. ناهيك عن الاستثمار في البنيات التحتية، وارتفاع مؤشر الدخل… وبشهادة العالم في مونديال 2022 أنزلت قطر الرياضة  مكانها الرفيع.
  • ـ نموذج الجزائر؟
  • احتضان بطولة أمم إفريقيا للمحليين بالجزائر، لتمرير رسالة حقد إلى جارك هو مؤشر فشل، لأنك في الشان تخاطب العالم وليس الجيران، وهذه سقطة مدوي للنظام العسكري المهترئ، و افتضح هدفه الأساسي بسهولة، والذي هو حجب الحقائق المؤلمة لأوضاعه الداخلية، بعد فشل البروباغندا الإعلامية الجزائرية في تلميع صورة العسكر داخليا وخارجيا، حيث اعتقدت بأن الجماهير ستنشغل بالحدث الرياضي، ويتم إلهائها عن التركيز على أي مواضيع أخرى خلال البطولة.
  • لكن العكس هو الذي حصل، حيث عرى الشان هشاشة الدولة، وضعف بنياتها التحتية، وغباء المنظمين، فحصد النظام العسكري المزيد من الفشل، وخاصة في عدائه لجيرانه، بمنع الفريق الحامل للقب من دخول الأراضي الجزائرية بصفتها منظمة للتظاهرة، ومحاولة إرغامه على استعمال وسيلة نقل، غير وسيلة نقله الرسمية والداعمة.
  • وكذلك الفشل في قضية الصحراء المغربية على الخصوص، مقابل اختراقات وانتصارات حققها المغرب. مما أصاب العسكر بالهذيان، فحاول نهج أسلوب الغسيل الرياضي كعملية تجميلية لوجه مليء بالندوب، فانعكس عليه سلبا، ولطخ صورته وصورة كرة القدم، وـ بهدلها ـ، كما يقول المثل المغربي (بلارج جا يبوس ولدو سعا اعماه ).
  • وذلك أيضا لما استأجرت حفيد نيلسون مانديلا ( ولد عم مول الباش)، لافتتاح هذه التظاهرة، فنالت من رمزية نيلسون مانديلا كمناضل قاوم نظام الأبارتايد، وبخست من قيمة الرجل، كما بخست من قيمة التظاهرة الكروية القارية بمزايادات غير مدروسة على البلد الجار، الذي كان وسيضل إلى جانب القضايا العادلة قاريا وعالميا.
  • فنلسون مانديلا الكبير رمز للتحرر والانعتاق، وهذه الرمزية غير قابلة للتوريث ولا للتلطيخ. ليبقى السؤال مطروحا، ماذا قدم منديلا الصغير في هذا الشأن؟ وما هو تاريخه النضالي؟ ألم يسقط قناعه لتظهر هويته الحقيقية بكونه مجرد مرتزق  مأجور، يعيش على نضالات الرجال، في محاولة فاشلة لتلميع صورة نظام فاشل؟. فمن تم لا منديلا الصغيرـ جداـ ولا نظام العسكر(القوة الضاربة) استغل الحدث الرياضي بشكل ذكي لتغيير وتحسين النظرة العامة للبلاد. ففشلت سياسة الغسيل الرياضي،  وتحولت إلى قناة عفنة لطخت الرياضة بأكملها.
  • وشتان بين مونديال قطر الذي قدم دروسا أخلاقية وتنموية لبقية دول العالم، والذي فيه برزت صورة قطر الرائعة، التي أبهرت العالم، وشرفت العرب وأحقيتهم في استضافة مثل هذه المحافل، وخيبت الجزائر ظنهم وظن  الجماهير العاشقة للعبة. أما المغرب فرده جميل، ورصين، يكون دائما في الميدان وعلى أرض الواقع، بمواصلة التنمية والتحرك المتزن  والوازن في قضية الصحرائه، وتحقيق الإنجازات التنموية في المغرب ككل والأقاليم الجنوبية بصفة خاصة.