زينب النفزاوية بطلة رواية زوجة الملوك الثلاثة

  1. جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

بقلم ليلى التجري-

“زوجة الملوك الثلاثة” رواية تاريخية للكاتب المغربي مصطفى لغتيري، تنضاف لأعماله الروائية المتنوعة شكلا ومضمونا، والبالغ عددها 19 عملا روائيا، لها مكانة متميزة في المتن الروائي المغربي المتنامي، وتمتاز هذه الرواية بسرد تاريخي متعاقب لأحداث، عرفها المغرب في العصر الوسيط ، حين بسطت دولة المرابطين نفوذها على الغرب الإسلامي والأندلس وجنوب الصحراء الكبرى، وتنطلق احداث هذه الرواية من القيروان لتمر بفاس، ثم تحط الرحال في مدينة أغمات ومراكش، مرورا بتلمسان وقرطبة وغيرها من الحواضر المهمة في ذلك العصر.
يحكي الكاتب من خلاله سيرة غيرية لامرأة قائدة حكيمة في تدبيرها، ذكية في تعاملها، امرأة طموحة لبيبة في قراراتها، لا ترضى من الرجال إلا بذوي الهمم العالية من الملوك، ويتعلق الأمر بزينب بنت اسحاق النفزاوية.
استهل الكاتب مصطفى لغتيري روايته بمقدمة ممنهجة، تشي بوضعه لخطة مسبقة، لأحداث متسلسلة مترابطة فيما بينها بحبكة متقنة، منطلقا في سبيل ذلك من المنهج الاستنباطي إلى الاستقرائي في السرد، والكشف عن تفاصيل امرأة بصمت تاريخ مغرب الأمجاد، وتزوجت ملوكا ثلاثة من حاكم وأمير أغمات بداية، لينتهي بها المطاف بالزواج بمؤسس مدينة مراكش يوسف بن تاشفين، امرأة شغلت الناس، فحركت الالسن وأسالت كثيرا من الحبر، حتى سميت بالساحرة الكاهنة، كما كان لها الفضل والمشورة في كل قرارات زوجها، وهي المرأة المدبرة الحكيمة، التي سعت إلى تحقيق رغباتها ونزواتها، فكان لذلك عبرة وتجليات دونها العقلاء والرواد في كتبهم التاريخية، فانشغلوا في تفسيرها وفك رموزها.
قال عنها المؤرخ أحمد بن خالد الناصري في كتابه الاستقصا في تاريخ المغرب الاقصى: «فكانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب». ونقل عن ابن الأثير في الكامل: «كانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاد زوجها ابن تاشفين».
الجدير بالذكر بأن الرواية صادرة عن دار النشر روافد المصرية في طبعتها الأولى 2023م، وتضم بين طياتها 95 صفحة، بمقدمة استهلالية و6 فصول موزعة بين أماكن متباينة في أسمائها موحدة في دلالتها الإيحائية للشخصية التاريخية زينب النفزاوية وهي كالتالي:
في رحاب القيروان
الطريق إلى فاس
من فاس إلى أغمات
مراكش هدية زوجي
الحرب في الأندلس
في قلب الصحراء
اختتم الكتاب بسيرة ذاتية للمؤلف مصطفى لغتيري.
يتوارى السرد في “رحاب القيروان” بأسلوب حكائي وصفي لتاريخ دولة المرابطين منطلقا من القيروان من خلال وصف المدينة الساحرة وتاريخها المرتبط بدولة الأغالبة .
( هي ذي القيروان ..مدينة عذبة جميلة ناعمة ..اسمها حلو على اللسان، خفيف على القلب.. ص:14)
جاءت الرواية في قالب سرد متسلسل لأحداث تاريخ القيروان على لسان القاضي القيرواني في محاولة لفهم واكتشاف العالم المليء بالأسرار والمتناقضات والرموز المتوارية في أغوار البحر وأسراره عن طريق شخصية مريم المحبة للشعر، تتنامى الأحداث إثر استقبال أب زينب لتاجرين من مدينة فاس المغربية في اتجاه القيروان، وتبيان أجواء الاحتفال بالعرس الفاسي مما يدل على اتخاذ الرواية بعدا توثيقيا لقيم وطنية ومظاهر ثقافية وأعراف سائدة إلى يومنا هذا، في تمازج بين الماضي والحاضر وتطلع للأفق القادم المبجل بالتاريخ الحافل بالأحداث المتسلسلة من خلال استعداد الأسرة للتوجه نحو فاس بإقناع من التاجر أبي ادريس .
نحو فاس أو بالأحرى “الطريق إلى فاس”
ونصائح الأب للعائلة بالامثتال لإدريس أثناء المصاحبة في الرحلة ،مع وصف دقيق لأجواء السفر وما تعتريه من نصب للخيام واكتشاف المجهول ومعانقة البحر ،وفي تمني تحقيق أحلام اليقظة التي ما فتئت تراود فكر زينب النفزاوية.
“من فاس إلى أغمات”
الاستقبال بطقوس الأعراس، وإعجاب النسوة بزينب وترشيحها للزواج رغم صغر سنها كان محط بداية الاهتمام ” حقيقة لقد استغربت أن يرشحوني للزواج وأنا طفلة ما أزال أحن وألعب واللهو مع صديقاتي …” ( ص: 48) وإبعاد زينب أنظارهن عنها بقولها” لن أتزوج إلا رجلا يحكم بلاد المغرب” (ص: 53)
انتقال العائلة للاستقرار في الريف بأغمات بعيدا عن زحام المدينة ،وبداية تحقق تنبؤات زينب وزواجها من الحاكم.
تتعاقب الأحداث باندلاع حرب بين الحاكم والأمير أبي بكر اللمتوني واغتيال الحاكم في مخطط للاستيلاء على زينب النفزاوية والزواج بها باعتبارها امرأة جميلة وذكية.
“مراكش هدية زواجي”
بفضل حنكتها وورعها واعتبارها جندية تقدم العون للأمير والدولة ،شكل ذلك محط مدح أبي بكر اللمتوني لأقرانه وإبراز تفوقها عليهم بالحكمة والترجيح وبعد النظر، نفوذها المرموق جعل صديقتها مريم تطلب منها مساعدة زوجها للدخول للأندلس والسيطرة عليها.
تتطور الردود والمواقف إثر نظرات استغراب وصدمة مدوية لزينب النفزاوية وذلك باقتراح من زوجها تزويجها من الأمير يوسف بن تاشفين، وتحقق ذلك وإهداء مدينة مراكش في عرسها عربونا عن محبته وإعجابه بها.
تجليات ورع وحنكة زينب في تدبير الشؤون السياسية وتقديم النصح لزوجها وتكون بالتالي أنموذجا للمرأة القوية المناضلة المتحررة من فوضى العبودية الرزينة في اختياراتها الحرة الغرة في قراراتها المحققة لأحلامها والمجد لوطنها.
” إن ابن عمك محارب شرس ،يحب القوة ويكره الضعف ،فحين تستقبله لا تظهر إذعانا له، بل الق التحية وأنت على فرسك، وأظهر له صلابتك وقوتك ،لكن في نفس الوقت قدم له هدية لا يتوقعها ،ستجعل قلبه يطمئن إليك”.
“الحرب في الأندلس”
في ظل انتشار سمعة الدولة المرابطية، وترسيخ معالم مدينة جديدة مراكش بقيادة يوسف بن تاشفين.
تتسلسل الأحداث إثر خضوع المعتمد بن عباد للملك ألفونسو وتخاذله في الدفاع عن طليطلة، واستنجاد زينب وزوجها بزوج مريم لحنكته في معرفة البلد وإتقان لغة القشتاليين.
.
حينما يتعلق الأمر براية الإسلام تتظافر الجهود وتتوحد الهمم لمواجهة حرب بين قائد قشتالة والمسلمين وانتصار للمسلمين ورفع راية الاسلام عاليا في الأندلس.
ثم إعلان بأن مراكش تابعة بشكل رسمي للدولة المرابطية واختيار زوج مريم لذلك، فلكل مجتهد نصيبه.
شعورنا بالتعاسة وبالذنب يجعلنا نراجع أوراق أخطائنا ونسطر على هفواتنا في محاولة من ذواتنا لإصلاح ما تبقى من واستقر من خصة في القلب بعد مرارة مفجعة وهو شعور المعتمد بن العباد ملك اشبيلية إثر موقفه المستفز.
“في قلب الصحراء ”
توطدت أركان الدولة وازدهرت التجارة والحرف، واختيار فقهاء من الصحراء وارسالهم إلى الأمير أبي بكر لنشر الدعوة الاسلامية، تتعاقب الأحداث بموت أبي بكر جنديا مرابطا مدافعا ،وتولي زوج مريم على الأندلس وبفاجعة مرض يوسف وموته الذي خلف استياء وألما لدى زوجته زينب النفزاوية، ومحاولة منها للمضي قدما بالدولة المرابطية ومبايعة علي بن يوسف بن تاشفين .
عودة زينب النفزاوية إلى مسقط التجذر والانتماء في أغمات للتعبد والزهد واسترجاع ذكرياتها الحافلة بالصمود والكفاح مع الملوك الثلاثة فكانت مثالا وفخرا لكل امرأة مغربية خاصة والمرأة العربية المعطاء في كل مناحي الحياة.