جريدة أرض بلادي
تقديم:
تتربع الشاعرة المغربية نعيمة معاوية على ضفاف التجربة الشعرية المعاصرة كصوت نسائي متفرد، يكتب من عمق المعاناة، وينتصر للأنوثة والروح والجمال. في قصائدها نلمح نبضًا إنسانيًا شفافًا، تتداخل فيه أبعاد الحب، والفقد، والانتظار، والتمرد، والموت، في مشهد شعري أقرب إلى صلوات الذات في محراب الوجود.
وما بين (رقصة موت)1 ، و(أغار)1، و(قيثارة الحب)1، و(لا تسلني)1، وغيرها، تتشكل معالم تجربة شعرية تستحق التأمل والتحليل.
– أولًا: الحب عند نعيمة معاوية – غيرة ناضجة وشغف شفيف
في قصيدة “أغار”، لا تتحدث الشاعرة عن الحب بوصفه رومانسية مفرطة، بل تصوره كحالة انفعالية صادقة، ترتكز على الغيرة كعنصر دلالي ومفصلي في العلاقة:
(لم يسكنني جنون طيفك بالأسحار؟
لم تبعثرني الشمس،
حين تسرق من بسمتك النور فأغار…؟)
الغيرة هنا ليست مجرد رد فعل عاطفي، بل رغبة في الالتحام الكلي بالآخر، في عالم لا يعترف بأنصاف الحلول. وهنا تكشف الشاعرة عن تفوقها في بناء العاطفة عبر التساؤل الشعري، مما يضفي على النص بُعدًا فلسفيًا.
– ثانيًا: الحزن والفقد – الجرح كينونة شعرية
في قصيدة “رقصة موت”، تقدم معاوية مرثية وجودية للروح، ترثي فيها البراءة، وتتأمل الفقد كقدر شعري يتيح للكتابة أن تولد من رماد الغياب:
(حين تموت الحياة
يحترق الصنوبر ….
ترقص الجراح عارية
إلا من ترياق بوح موجوع…)
اللغة هنا تتجلى شعرًا وشعورًا، وتتحول الكلمات إلى رموز مفعمة بالألم الجمالي، حيث يصبح الموت مساحة لتأمل الحياة، لا فقط نهايتها.
– ثالثًا: اللغة الشعرية – الشفافية المتقنة
من أبرز ما يميز تجربة الشاعرة هو الاقتصاد التعبيري والاعتماد على لغة شعرية شفافة، محملة بالإيحاءات. فالكلمات ليست غاية في حد ذاتها، بل أداة لصياغة مشهد شعري داخلي، يصل القارئ دون تكلف.
وتقول في إحدى قصائدها:
(دعني أشتم رائحة الفرح
ببيادر الياسمين
فقد زرعها حبيبي ورحل)
الصور هنا بسيطة، لكنها تحمل شحنة عاطفية كثيفة، تنقل الوجدان من الحنين إلى الحضور الشعري الكامل.
-رابعًا: الرموز والأسطورة – البنية الثقافية في النص
تستحضر الشاعرة رموزًا من التاريخ والأسطورة والدين (شهرزاد، عشتار، الحلاج، يوسف، أيوب…) وتُسقطها على واقعها الشعري:
(بمحراب أيوب يصلي الطهر
يسأل تباشير الصباح
عن جنائن الخلد
وشروق يأبى الأفول)
هذا التوظيف ليس زخرفيًا، بل يحمل أبعادًا تأويلية، يعمّق من دلالة النص، ويؤكد اتساع أفق الشاعرة الثقافي.
– خامسًا: الأنوثة – تمرد ناعم وصوت لا يتنازل
في كثير من قصائدها، تكتب نعيمة معاوية من موقع المرأة الواعية بكيانها، الراغبة في الحب، والرافضة للانكسار:
(كوني أنت كما أنت
ولا أحد غير أنت
دعي روحك تغتسل
بمطر الأنهار…)
هنا تتحدث المرأة-الشاعرة التي لا تتوسل، بل تعرف ما تريد، وتملك لغتها وموقفها الوجودي. وهنا تتجاوز معاوية النمط السائد، لتقدم أنثى كاملة، مكتملة بذاتها.
سادسًا: شهادة النقاد – إجماع على التميز
لا تأتي مكانة الشاعرة من فراغ، فقد أشاد بها عدد من النقاد المغاربة، مثل علال الجعدوني، الذي وصفها بأنها:
“تكتب بكلمات مخملية رشيقة، ونصوصها مرصعة بحروف ماسية، تعانق طلعة الروح بكل دقة وبلاغة.”
خاتمة:
نحو تأصيل صوت شعري نسائي متفرد
إن تجربة الشاعرة نعيمة معاوية تمثل علامة مضيئة في الشعر النسائي المغربي، لما تحمله من خصوصية لغوية، وجرأة وجدانية، وعمق فكري. هي تكتب لتمنح الوجدان فسحة، وللكلمة معنى يتجاوز اللحظة إلى الأثر فهي تفتح مخابئ القلب على شرفات البوح المباح، فتغدو نورسة عاشقة تسرح في رحيب
الشعر بلا هوادة.
******
في زمن قد تغلب عليه الضوضاء، تظل قصائدها أصداء هادئة تنبض بالحياة.
تحية لشاعرة تكتبنا حين ننسى أنفسنا، وترتّب أرواحنا في قصائد
عبد العزيز برعود. المغرب
ملحوظة
1 عناوين قصائد للشاعرة معاوية نعيمة
2 مابين قوسين هي مقاطع للشاعرة نعيمة معاوية
★ الكاتب : عبد العزيز برعود ★