“تقوجيج” السوق

جريدة أرض بلادي_
الذكتور عبد العزيز حنون_

 

 

 

 

 

 

 

“تقوجيج” السوق أو بداية عمارته كانت تبدأ عشية يوم الأحد. كانت تدخل شاحنات الفورد والبيرلي سيس والهيبية محملة بالسواقة والسلعة على حد سواء. عند نقل السلعة من سوق إلى سوق يتم بناء و تعبئة الكاروسري بشكل يعتمد التوازن و حفظ المواد والسلع حسب هشاشتها وأهميتها. يتم ترتيب كل شيء بمنطق مكتسب مع الايام، قد لا ندري له نحن “القارين” قبيلا من دبير، حتى يمتلئ عن آخره ويتجاوز السعة للاعلى على شكل “قربوس” . آخر عملية هي ربط الكراريس اليدوية لمن يسمون ب “طالب معاشو” في الجنب و يصعد السواقة في الأعلى حيث يأخذ كل واحد مكانا يلتصق به في وضعية بؤس غير محسوس بحثا عن الخبز . بؤس غير محسوس لأن زمن الرحلة بين أسواق المنطقة، التي تفصلها في اقصى الأحوال أربعون كلمترا، يمر في القفشات والغناء بأعلى صوت في الخلاء و كون الله الفسيح، تتردد أصواتهم بين الفينة والأخرى على من يمرون بجانبهم .
البحث عن لقمة عيش مرة حقا لان الرحلة كلها مخاطر، اتذكر انه كانت انقلبت شاحنة في عقبة الواد الغارك بين الغربية والوالدية فمات من مات وكسر من كسر ومن بقي على قيد الحياة تجده في السوق الموالي قد التصق بشاحنة أخرى ليركب من جديد مغامرة الموت من أجل الاستمرار على قيد الحياة.
بعد الوصول للسوق تركن كل شاحنة نحو المكان المخصص لنوع التجارة المشحونة. تبدأ عملية بناء الخيام “الكياطن” ..كل رحبة لها طريقة عرض البضاعة و تنظيم شكل الكيطون . أصحاب الكتان كانوا يصطفون في المدخل الرئيس للسوق، بعد الباب مباشرة حتى المنتصف منه. كانوا أكثر اناقة وعرضا للسلعة. كانت تبدو الألوان الزاهية بمختلف الأشكال والورود والايقونات من ثقافات أخرى على اعتبار أن أغلب الكتان كان يستورد من أوربا والصين. كنت تجد بجانب كل قيطون كتان خياطا، رجلا لا امرأة. لم تكن وقتئد النساء تمتهن الخياطة سوى في المنزل.
صاحب القيطون من النوع الرفيع، اقصد غير مهترئ ومتماسك الجوانب، غالبا ما ينتمي إلى الطبقة الغنية، هكذا كان ظننا وقتئد لأننا لم نكن نعرف معنى الغنى ولا نعرف من حقا يسيطر على الثروة الحقيقية. كنا نعتقد أن هؤلاء مستوري الحال من التجار والفلاحين والحرفيين طبقة ارستقراطية.. لأننا كنا نعيش في بيئة بدوية مغلقة قسمت طبقيا هي أيضا في مستوى ما يملكون …