جريدة أرض بلادي – محمد العوني –
في خطوة تاريخية نحو تحقيق السيادة المائية، شهد المغرب يوم الاثنين 14 يوليوز 2025 انطلاق تشغيل خط أنابيب جديد يربط محطة تحلية المياه في الجرف الأصفر بموقع خريبكة التابع للمجمع الشريف للفوسفاط، وهو أكبر منجم للفوسفاط في العالم. المشروع الذي يمتد لأزيد من 200 كيلومتر، يُعد نقلة نوعية في تدبير الموارد المائية، ويُمكّن من تزويد المنصة الصناعية، وكذا ساكنة مدينة خريبكة بالمياه المحلاة.
هذا الإنجاز يأتي في إطار رؤية متقدمة تروم الاعتماد على مصادر مائية غير تقليدية، باستعمال حصري للطاقات المتجددة، ومساهمة في مواجهة تحديات الإجهاد المائي الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات. وقد تم الإعلان عن ذلك خلال لقاء صحافي نُظم بخريبكة بحضور مسؤولي الشركة وعدد من الفاعلين في القطاع.
في ظرف لم يتجاوز ثلاث سنوات، تمكنت المؤسسة المسؤولة عن المشروع من تأمين المياه الصالحة للشرب لمدن آسفي، الجديدة، وجنوب الدار البيضاء، وها هي خريبكة تنضم إلى القائمة، في انتظار استفادة مدن أخرى في المستقبل القريب.
خط الأنابيب تم تصميمه وتنفيذه بتعاون بين خبرات مغربية ودولية، واستغرق إنجازه أقل من 24 شهراً، بفضل مساهمة مقاولات مغربية اختيرت عقب طلب عروض دولي، وبمساعدة مكاتب دراسات وخبراء في الهندسة.
المشروع يعتمد على محطة جديدة لتحلية المياه بالجرف الأصفر، بطاقة سنوية تصل إلى 80 مليون متر مكعب، مما يُعد سابقة في المغرب على مستوى نقل المياه المحلاة لمسافات طويلة. كما ساهمت فرق البحث والتطوير، خاصة التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، في تطوير حلول تقنية مبتكرة لتسريع الإنجاز وتحقيق أقصى درجات الفعالية.
وعلى المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وفر المشروع مليون يوم عمل خلال فترة الإنجاز، بما يعادل نحو 1300 وظيفة يومية، أغلبها من اليد العاملة المحلية. وفي مرحلة التشغيل، تم إحداث 100 منصب دائم، ما ساعد في تنشيط الحياة الاقتصادية بالمنطقة.
بالتوازي مع هذا المشروع، بدأ تشغيل خط أنابيب جديد ينقل المياه المعالجة من محطة مراكش نحو موقع الكنتور المنجمي، مرورا بابن جرير واليوسفية. هذا الخط الجديد، الذي يمتد لأزيد من 80 كيلومتراً، عزز استقلالية هذه المناطق من حيث الاعتماد على المياه غير التقليدية.
ويتواصل العمل حالياً على مشاريع أخرى مشابهة، أبرزها الربط بين محطة تحلية آسفي ومناطق مزيندة، ابن جرير، واليوسفية، وذلك لضمان تزويد هذه المناطق الحيوية بالمياه في أفق 2026.
هذه المشاريع تُشكّل جزءاً من استراتيجية وطنية ترتكز على الاستدامة وحسن تدبير الموارد المائية، وتهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في المياه غير التقليدية بحلول سنة 2027. إلا أن هذه الأهداف باتت أقرب من أي وقت مضى، بعدما تم تحقيق معظمها قبل الموعد المحدد بسنتين.
المؤسسة المشرفة على هذه الإنجازات، التي أُنشئت سنة 2022، تواصل التوسع، وتعتمد بالكامل على الطاقة النظيفة في عملياتها. وهي تسعى إلى المساهمة في أمن المغرب المائي، وتوفير حلول مائية مبتكرة لفائدة الصناعة، المدن والفلاحة، مع طموح واضح للعب دور محوري على مستوى القارة الإفريقية.
بهذه الإنجازات، يدخل المغرب مرحلة جديدة في تاريخه المائي، مبنية على الابتكار، الاستباقية، والشراكة بين القطاعات، ليؤكد مرة أخرى قدرته على رفع التحديات الكبرى بمشاريع واقعية وملموسة.