جنون الكاتب .. للكاتب محمد الوادي

جريدة أرض بلادي-رضوان جميلي-

كثيرٌ من الكتاب يعتقد أنه بخربشاته على حائط مبكاه في وسيط اجتماعي، أو على صفحة من صحيفة مهملة، أو في أحسن الأحوال في مصنف له أصدره بعد سنوات من الوجع الفكري.. يعتقد أنه يصنع التاريخ، أو على الأقل يصنع جزءا منه مناصفة مع شركاء آخرين، أو أنه يقول الحقيقة المطلقة، أو أنه أتى بما لم يأت به غيره.

وكثير من صناع الكلام المحنّش ينتشي كالديك الرومي وهو ينشد قصيدة شعرية، أو يتهجى قصة قصيرة جدّا، أو يوقع منجزاً روائياً أو فلسفياً، أو.. أو، صدر له حديثاً أو قديماً.

يا معشر القراء المفترضين .. وياأصحاب الحل والعقد.. وأصحاب النقد المنقوض لا تنغصوا عليه فرحته بولادة لحظة إبداع أو فكر؟ ألا يستحق هذه النشوة؟ أليس من حقه أن يقيم حفلاً ولو رمزياً بمولوده؟ ألا يستحق أن ترفعوا له معنوياته ليستمر في حمقه الكتابي، وينسج المزيد مما تعتقدون أنه مجرد كلام لا يسمن ولا يغني من جوع. كل واحد من العامة والخاصة يفرح ويسعد بما حققه من إنجاز في مسيرة حياته ولا أحد يلومه على ذلك. هل الكاتب وحده الذي ليس من حقه أن ينتشي؟.. يغتالون حلمه، ويقتلون فرحته، ويصادرون خياله، ويريدونه فقيراً معدماً. يروقهم مشاهدته متسولاً هائماً في الطرقات، مستجدياً على شاشات التلفاز والمنصات الاجتماعية، فاشلاً في حياته.

أرجوكم أتركوه يتقمص سعادة مفترضة.. أتركوه يمني النفس بما ليس للنفس في زمن الخس والدنس.

الكاتب كما طفل صغير دائما يحتاج إلى لعبة على شكل ضومينو، أو دمية، أو شطرنج، أو حتى كلمات متقاطعة…. ليصنع منها بطولاته الوهمية.

الكاتب سلسلة من الأحلام التي لا يحسن تفسيرها إلا الراسخون وأصحاب البوصلات الاستشرافية، وعلماء الفلك، والعرافات، ومن دار في فلك الخيال الخرافي والعلمي.

يحتاج الكاتب، أكثر من غيره، إلى هامش من الحرية ليقول كلمته ويرحل في هدوء.. هو يعرف ويعلم أنه لن يقول إلا كلمة واحدة قد تكون جارحة، أو صريحة، أو حتى مرمزة ولكنها تحمل دلالات لا تتوافق والمنحنى السياسي والأخلاقي والاجتماعي والثقافي العام.. كلمة هو قائلها إن كان ملتزماً وطلائعياً ومسؤولاً، وليس من الكتبة إياهم.