حين غاب الوصال .. فاطمة موسى وجى

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

 

الساعة تجاوزت منتصف الليل ومعذبتي لم تحضر بعد. ليس من عادتها التأخر في الوصول. الليلة مناسبة جدا لزيارتها لي، والأجواء ستحتفي بها لا محالة. الحرارة مرتفعة،والهواء ثقيل يحبس الأنفاس. غرفتي ساكنة جدا كجزيرة مهجورة أو كوكب لم تطأه قدم ولم يعرف به أحد من قبل.

غريب أمرها ! أ علي انتظارها طوال الليل؟!

لا أدري ما أصابها فعلا، ربما وجدت لها محبوبا آخر، تقضي برفقته أمتع الأوقات، تفتنه، تأخذه إلى عوالم ساحرة كألف ليلة وليلة. لاشك أنها شقت طريق غيري، استبدلتني، وأنا الذي كنت دوما حاضرا لاستقبالها، ما فرطت يوما في واجب الضيافة، بل كنت كريما معها، أمنحها من وقتي واهتمامي الكثير. قد أكون أثقلت عليها، من يدري؟

لكن هي الأخرى كانت تأتيني مقبلة في شوق، فاتحة ذراعيها لمعانقتي، للبقاء قريبة مني.

يا إلهي! كم أكره الانتظار، وساعات الانتظار، وصالات الانتظار وكل مايحول الزمن إلى كائن يتمدد، يستطيل ويشيخ!

غرفتي نظيفة جدا، وسريري مرتب بعناية، لا ثياب على الأرض، لا أوراق ولا بقايا طعام. والدتي المسكينة نظفت المكان في غيابي. وإلا كنت انشغلت بذلك في انتظار وصول عاشقتي.

كأن عقارب الساعة لاتقوى على الحركة، تظل متشبثة بمكانها،خوفا من الاختناق أو السقوط!

لما لا أقرأ كتابا يسليني، يخفف عني وينسيني ألم الغياب؟! لنرى كتبي على المنضدة. المقامر لدوستويفسكي، لا لا، ليس الوقت مناسبا لأتبع هذا المعتوه من كازينو لآخر. ماذا لدي أيضا؟ ابن السماء لمصطفى لغتيري، طبعا لا، أفضل أن أقرأها صافي الذهن غير مشوش.

يا لحظي السيء! سأجول ثانية في غرفتي، أرسم متاهات بخطواتي المترنحة جيئة وذهابا. كانت معذبتي تملأ المكان، تؤنس وحشتي، تطربني بصوتها الشجي وكأنها نغمات وتر حساس. كم أضفت على ليالي الونس والبهجة! وهاهي الليلة تحكم علي بالوحدة والرتابة، كسجين منفي.

لن أستسلم لقدري، سأقف في انتظارها، علها تتذكرني قبل أن يسرقني منها الليل. أعلم أني أعني لها الكثير وأشبعها حنانا ورقة، لن تتركني أبدا بهذه البساطة.

 

آه كم تعثرت خطواتي! تاهت وسط هذه الغرفة التي استحالت صحراء شاسعة رحبة بدونها، بعد أن كانت كالقفص تجمعنا نحن الاثنان في تناغم سرمدي!

ما هذه العبوة قرب النافذة؟!

مضاد للحشرات!!!!!!!!! لاشك أن والدتي قامت برشه على المكان.

هذا يفسر غياب البعوضة، معذبتي. ليتني أيقنت ذلك قبل هذه الساعة المتأخرة!

على كل، سأعانق الوسادة بدل عاشقتي، وأقيم لها مأتما وعويلا في مخيلتي، بعد أن أنام وأهنأ بسكون الليل.