خبز السوق

أرض بلادي – بريس

لعل جيلي له نوستالجيا خاصة مع خبز السوق. كانت البادية المغربية تعيش على المنتوج المحلي بنسبة 99 في المئة. الخضر بجميع أنواعها ،اللحم “البكري” و “الغلمي” الدجاج و البيض البلدي. حتى الفواكه الموسمية وخصوصا الصيفية يكون فيها الاكتفاء الذاتي . كانت دورة اقتصادية مغلقة نسبيا على محيط جغرافي أقصاه 50 كلمترا. والتبادل التجاري يكون أشبه بالمقايضة.

كانت المرأة البدوية لها التصرف في الدجاج وما ينتج من بيض. تبيعه يوم السوق وهو وسيلة لتحقيق الاكتفاء الذاتي لشراء بعض الحلي من السبيكة التي تشبه الذهب وبعض الملابس والفوطات المخصصة للخروج و غطاء الرأء المسمى السبنية . وأيضا لتقديم الواجبات الاجتماعية المحلية المرتبطة بالافراح والاتراح. اما غير الدجاج من البفر والغنم والخيل والبغال والحمير فهو للرجال فقط رغم مساهمة المراة في تربية قطيع المواشي المتنوع بنسبة مهمة، من رعي ، و تقديم للعلف ، وسقي الماء للقطيع ” المورد” حيث يتم جلب الماء من بئر عميقة بدلو ثقيل و يفرغ في الجابية التي تكون حجرة كبيرة محفورة في الوسط. وكم يكفي من مرة حتى يشرب الجميع . حتى يتقوس الظهر وتلتهب اليدان . متعب جدا خصوصا في صيف حار “يطير الطير ويجي على كفاه“.

كان يوم السوق هو يوم العطلة . البعض يذهب إلى السوق و البقية تجلس في المنزل . وحتى الناشية تبقى في مرابضها. الكل ينتظر قدوم الأب و الجد في العائلة الممتدة. يجلبون القفة الاسبوعية التي تضم الخضر، و اللحم ، والدوارة ، والفواكه الرطبة و الجافة، و الفول والحمص المطهي ” طيب وهاري” ” والحلوة المكردة” التي تركت مثالا مغربيا “الرضا والحلوة المكردة” وخبز السوق. طقوس كنا ننتظرها و خصوصا شواء اللحم بعد الظهيرة و كاميلة العشاء التي لا تشبهها اية كاميلة رائحتها تشمها من بعيد ولها طعم خاص.

يتم اقتناء خبز السوق رغم وجود الخبز الكامل الأسمر الذي هو أحسن بالف درجة صحيا . يتم تقسيم خبز السوق كما تقسم قطعة حلوى. يأكله الكبار والصغار. كانت فيه نكهة الخميرة الرومية التي لم تفد على البادية الا بعد القضاء على المنتوج المحلي من الخميرة البلدية التي كان ينتقدها مروجو الخميرة الرومية بأنها حامضة و لا تهيء الخبز بسرعة حيث تتطلب وقتا اكثر من الرومية وتترك الخبز فطيرا خصوصا في فصل الشتاء.

تسلل خبز السوق عبر حلاوته وبياضه نحو المستهلك المغربي حتى اصبح في كل دوار وحومة فران وبعدها مخبزات تبيع الناس كل انواع الخبزيات والحلويات الجاهزة. ذهب البيو وذهبت معه الصحة. الآن إذا اردت خبزا طبيعيا ما عليك الا ان تطحن القمح و تطلب للاهل ان هم تفضلوا بتهيء خبز الدار ، لأن المخابز اصبحت تستعمل الغش في الخبز الكامل. يذهبون للمطاحن الشعبية ويقتنون النخالة وحدها لرخص ثمنها، يضيفون منها شيئا في الداخل و “يكرصون”بها الخبز حتى تبدو الخبزة مليئة من الخارج بقشور والياف القمح حتى اذا دخلت للمضمون وجدت خبز السوق مغلفا.

منقول عن الدكتور عبد العزيز الحنون