رضوان بونوار: المرأة البامبارية عمل روائي نادر في معالجته لقضية الصحراء من زاوية إنسانية

جريدة أرض بلادي – بقلم رضوان بونوار

رواية المرأة البامبارية تناولت موضوعا حساسا نادرا ما تطرقت إليه الأعمال الأدبية.

بقلم الأستاذ رضوان بونوار

يعد محمود أيت الحاج من الكتاب الشباب الذين دخلوا عالم الكتابة من الباب الواسع، وذلك بالنظر إلى تجاربه القرائية المتعددة وإشرافه بصفته أستاذا للغة العربية على المشروع الوطني للقراءة، ومشروع تحدي القراءة العربي. مما جعله ملمّا بآليات إنتاج النص الأدبي.

وفي هذا السياق، صدر حديثا للأديب الألمعي محمود أيت الحاج عن دار الأمان للنشر والتوزيع بالرباط عمل روائي موسوم ب “المرأة البامبارية”، وسنقدم من خلال ما يأتي قراءة في العمل الروائي.

العنوان: العنوان عتبة من العتبات الأساس -كما تسميها الأديبة البلغارية جوليا كريستيفا- لولوج النص، بحيث إنه العنصر الأول الذي يثير القارئ ويدعوه للإقبال على الكتاب وخوض مغامرة قراءته.

ويعلن عنوان الرواية موضوع الدراسة “المرأة البامبارية” منذ البدء على أن موضوعها لن يخرج عن تيمة المرأة خاصة المرأة في القارة الإفريقية، وما تواجه الأخيرة من اضطهاد واستغلال وسخرة وهلم شرا.

جاء عنوان الرواية مركبا وصفيا من صفة وموصوف، وهو ما يجعل القارئ يتساءل حول هوية المرأة البامبارية، وسبب اختيارها موضوعا للرواية دون غيرها…أسئلة وأخرى تضعنا في قلب الرواية وتدعونا إلى قراءتها وسبر أغوارها.

ومنذ الوهلة الأولى يؤطر الكاتب محمود أيت الحاج نصه الأدبي هذا ضمن جنس أدبي معين، ألا وهو جنس الرواية الذي يتطلب من القارئ التسلح بآليات القراءة المرتبطة بهكذا نصوص.

الغلاف: يعد الغلاف عنصرا من العناصر الموازية للنص، لا يقل قيمة عن اسم المؤلف والعنوان وباقي العتبات. غير أن أهميته تبدو جلية، وأي غلاف لنص كيفما كان نوعه يشكل بنية استعارية توظف لحاجة ملحة تشتغل مع باقي العناصر في إنتاج خطاب متكامل ومتناسق سواء كان عبارة عن صورة فوتوغرافية أو صورة مكونة من أشكال وألوان.

أيقونيا، نجد أن غلاف الرواية التي بين أيدينا يهمين عليه اللون الأصفر الذي يرمز

– حسب علم النفس- إلى الخديعة والمكر والكذب، وهي تيمات تعالجها هذه الرواية من زوايا مختلفة.

وتتوسط هذا الغلاف صورة بارزة تجسّد امرأة رفقة طفليها تقف وقفة الشموخ وسط الصحراء وينظرون إلى الأفق البعيد، وبجانبهم خيام ترمز إلى اللااستقرار وإلى المصير المجهول الذي ينتظر هذه المرأة وولديها. وينازع هذا اللون، اللون الشمسي الذي يوحي بانفتاح الأفق، إنها شمس الحرية والانعتاق من براثن البؤس والحرمان والمعاناة.

أما لغويا، فيضم الغلاف مجموعة من المشيرات اللغوية، وأولها نجد اسم الكاتب

“محمود أيت الحاج” خُطّ في الأعلى بلون بُني وبحجم متوسط مقارنة بالعنوان الذي كُتب بلون أبيض، لكن بخط عريض نظرا لأهميته الموقعية باعتباره عنوانا لهذا النص.

هذا إضافة إلى جنس النص موضوع القراءة الذي كُتب باللون الأبيض نفسه وبخط متوسط.

ملخص الرواية : في روايته “المرأة البامبارية”، يتناول الكاتب محمود آيت الحاج موضوعا حساسا نادرا ما تطرقت إليه الأعمال الأدبية، مرتبطًا بقضية الصحراء المغربية وما يجري في الخفاء بمخيمات تندوف فوق التراب الجزائري، حيث تُحتجز عائلات وتُسلب حريتها باسم شعارات جوفاء.

فمن قلب إفريقيا، وبالضبط من دولة مالي، تنطلق حكاية ساراتو، المرأة القادمة من عمق قبائل المانينكا البامبارية وسط مالي، حاملة معها ذاكرة مثقلة بطقوس وأعراف مجتمعها، ومأساة فقدان زوجها وسط صراعات قبلية دموية. تهرب رفقة طفليها بحثا عن الأمان، لكنها تسقط في قبضة الخديعة والاتجار بالبشر، لتجد نفسها في مكان لا يشبه الوطن ولا يعترف بالكرامة. فبين جدران الخيام المتآكلة، وفي خضم القهر والاستغلال، تبدأ ساراتو اكتشاف الوجه الحقيقي لعصابة البوليساريو، وترى كيف تُنتزع الطفولة من الأطفال، وتُسحق النساء تحت رحى الحاجة والذل. هناك، لا مكان للبكاء، ولا حق في السؤال، ولا قيمة للحياة.

الرواية لا تروي فقط سيرة امرأة منسية، بل تفتح جرحا عميقا في الذاكرة الجماعية، وتفضح واقعا تحجبه الشعارات الرنانة، وتُدين بصوت سردي قوي صمت العالم أمام معاناة من سُرق منهم الحلم وتمت المتاجرة بمآسيهم.

“المرأة البامبارية” ليست مجرد رواية، بل شهادة دامغة على وجع لا يزال مستمرا، بأسلوب أدبي يجمع بين التوثيق والتشويق، ويضع القارئ في مواجهة حقيقة مرّة قلّما كُشف النقاب عنها.

خاتمة: وختاما، استطاع الكاتب محمود أيت الحاج من خلال هذا العمل الروائي الرصين وبقالب فني وجمالي وأسلوب متميز يزاوج بين الحكي الممتع والوصف الصادق والموضوعي أن يميط اللثام عن قضية جوهرية يجمع المنتظم الدولي على أنها قضية مفتعلة تتورط فيها جهات معلومة ترتكب أفظع الجرائم في حق السكان المختطفين هنالك بمخيم العار تندوف، وتحاول هذه الجهات إطالة أمد الصراع، وهي تعلم علم اليقين أن الصحراء مغربية، وتعلم كذلك أن المملكة المغربية لن تتنازل عنها قيد أنملة.