جريدة ارض بلادي-هيئة التحرير-
أول يوم صمته كان في أواسط سبعينيات القرن الماضي وانا طفل صغير، ارجح صيف 1978، وعمري وقتئد بين التاسعة والعاشرة، كان صيفا حارا ” يطير الطير ويطيح على كفاه” .. كان ذلك اليوم الجميل في الفيلاج، حيث اتسكع طوال اليوم رغم حرارة الشمس، بداية لصوم رمضان كاملا رغم عدم بلوغي سن الصيام .. كان اول صيام لي على الاطلاق، ما سبق لي ان صمت قبله، وكنت واصلت الصيام منذ ذلك اليوم رمضان كاملا ..
كانت انطلاقة بلا انقطاع سنة بعد اخرى حتى البلوغ و حتى يوم الناس هذا .. لم يلزمني أحد يوما ما لا بالصلاة ولا بالصوم.. لكن سبق الصوم الصلاة بثلاث سنوات.. قررت بمحض إرادتي الصوم لانه كانت لدي شخصية شبه مستقلة تمكنني من تحمل المسؤولية في كل ما يخصني، مهما كان شاقا، و حتى دون أن يلزمني أحد بذلك، كما كانت لدي قدرة بدنية ونفسية على التحمل رغم صغر سني ..
لم يسبق لوالدي رحمه الله ان أمرني بعبادة ما أو فرضها علي أو حتى القيام بواجبات محددة في المنزل، كنا نحس بحرية في محيطنا الاسري، لكن الشيء الوحيد الذي كان لا يقبله منا الوالد رحمه الله نهائيا هو ظلم الناس أو الاعتداء على الآخرين، مما جعلني احيانا اتفادى الشجار رغم قدرتي عليه مع بعض القوم الذين لا يتورعون .. كانت الحرية هي أساس العلاقة التي تربط جميع أفراد الأسرة.. وهذا أثر على علاقتي بالمجتمع المحلي التي كانت مبنية على الاحترام للجميع كبارا و صغارا..
كنت لا أجد صعوبة في نقاش اي كان و في أي موضوع .. كان بعض الكبار يسألونني عن أشياء في الحياة وحتى في الدين فأجيبهم بما بدا لي ..و لما ارجع للمنزل أحدث الوالد رحمه الله بما دار من نقاش وخوض في بعض المسائل و غالبا ما كان يزكي ما أذهب اليه من موقف ويستدل على صواب رايي بنصوص من فقه مالك وخصوصا مختصر الشيخ خليل مما خصب ثقافتي الفقهية واللغوية في وقت مبكر ..