شعرية المكان في شهوة الأمكنة لمصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي_الدار البيضاء_
ميلود فيروشة_

عن منشورات غاليري الأدب صدرت للأديب مصطفى لغتيري الطبعة الاولى لرواية شهوة الامكنة ، وقد وسمها بسيرة روائية، عددفصولها أربعة، تضاف إلى زخمه الإبداعي الوفير. انكتبت عن الذات وتتماس والأمكنة.
تناولت الرواية مرحلتين عمريتين، هما الطفولة والفتوة. طغى عليها المكان وسطوته وفضاءاته، وبذلك أرخ السارد لمرحلة من عمره ،يستذكر خلالها زمن الطفولة والحلم، حتى عنفوان الشباب ونزقه.

الطابع السير ذاتي متجليا في الأمكنة التي ارتادها، عبر ترحاله وتصوراته، سواءخارج المدينة الأم، أو في البادية والمقصود هنا بادية اشتوكة وبعدئذ أزمور والجديدة والبيضاء مسقط الرأس. لامندوحة أن للمكان بالغ الأثر في تكوين شخصية الإنسان، ورسم معالم حياته وتدفق أحلامه وآماله ومتمنياته أيضا. فالفضاء الذي يعتبر حيزاووعاء وراءه، استمد السارد منهىمجمل انطباعاته وارتساماته، مما حدا به إلى أن يخلده، انطلاقا من هذه السيرة الروائية، لذلك زاوج، فيرحكي ممتع، ما بين مرحلتين أساسيتين، طبعتا ووشمتا تنشئته الإجتماعية، وشكلتا شخصيته، وهو يخطو في اكتساب مهارات متعددة.
واهمية المكان قد سبق وتناولها كبار الأدباء والمفكرين أبرزهم غاستون باشلار،الذي سلط الضوء، من خلال دراساته حول الأماكن المغلقة والمنفتحةوغيرها، من خلال التطرق لها. كما نجد الأستاذ حسن بحراوي،هو الآخر يحيل ، في كتابه القيمى”بنية الشكل الروائي.من حيث الفضاء والزمن والشخصية” يقول: “وقد مثل هذا التوجه غاستون باشلار عندما اوعز أن شعرية المكان، مرتبطة بالقيم الرمزية، التي هي نتاج لرؤية السارد والشخصيات،ْ سواء في أماكن إقامتهم كالبيت والغرف المغلقة او الأماكن المنفتحة الخفية أو الظاهرةالمركزية أو الهامشية…وغيرها من التعارضات،التي تعمل كمسار يتضح فيه تخيل الكاتب والقارئ معا”.
وهكذا تحدد معالم هذه السيرة الروائية طبقا لمسارين: أولهما دهشة الطفولة، حينما صحب الوالد ابنه، إلى بادية اشتوكة، عند انتهاء الدراسة، وانبهار الطفل بطبعية البادية وما شاهده واقتنصه وعاشه، وهو يجوب الحقول والوهاد صحبة أقرانه. وذهابه إلى السوق الأسبوعي وتجواله في أرجائه. وما رآه بام عينيه، باعة، نداءات، تسوق وبيع وشراء ومعاملات. حبه لعمته وهو يمتطي اتانها وهو ذاهب أو عائد من التسوق، طبائع أهل البادية وكرمهم، وبالتالي تعتبر هذه المرحلة أو الفصل الأول من السيرة اساسية مرحلة امتلاك السارد لفضيلة الاعتماد على النفس.
سيتنامى الاهتمام بالمكان، خلال زيارة مدينة أزمور، ويغتني الحكي من خلال زيارة هذه المدينة المتاخمة لبلدة اشتوكة، حرارة التسريد ستشتد، من حيث الاشتغال على وصف معالم المدينة وأسوارها التاريخية، وأبوالها الخلفية كذلك. وما رافق ذلك، من تخييل واسترجاع ذكريات مضت وولت، صحبة رفاق دأبوا جميعهم، على الاكتشاف وحب التمرد أحيانا، وهكذا يحضر نهر ام الربيع بجلاله ومراكبه وجوده أيضا.
المكان الثالث وهو مدينة مزكان أو الجديدة، باعتبارها هي الأخرى فضاء محايثا لشتوكة، ولأزمور، وتعدد القرابة والأنساب بين المدينتين. استطاع الرواي ان ينقلنا الى أجوائها الظاهرة والخفية كذلك، بمعية اترابه، بحيث كان للشاطئ، قصب السبق، حيث البحر، والمصطافون، وبعض من نزوات الصحاب، ويتعاظم السرد أثناء زيارة، أولياء المدينة، من خلال ضواحيها والمتمثل في مولاي عبدالله، وعائشة البحرية، وينقلنا السارد، إلى هذا العالم الأسطوري، المضمخ بكرامات هذين الولين، وكيف يتم الحج إليهما والتبرك، بكراماتهما، في توصيف مضحك، وما رافق ذلك من شعوذة ودعارة، مشهودتين.
المكان الرابع ،ويتجلى في المدينة الأم، أي البيضاء، بكل ثقلها وأمكنته الساحرة والمخيفة والمتنوعة ايضا، باعتبارها هي السماء الاولى، وصرخة الولادة. تعددت فضاءاتها، والسارد في مرحلة الفتوة والعنفوان، لذلك تضاعف الحكي وتصاعدت وتيرته، نظرا لوفرة الأمكنة، أحياء بكاملها، معالم تاريخية ملاعب رياضية، ميناء مترامي الأطراف، ملاعب متربة، فرق رياضية، ساحات عامة وتجارية، دور سينما أحياء راقية وأخرى مهمشة، شاطئ سيدي عبد الرحمان وزواره من نساء، بغية زواج أو سحر من لدن مشعوذين، عادات زائفة، نزوات الأصدقاء وشغبهم.
وعطف على ما سبق، يتبدى والسيرة الرواية قد شارفت على نهايتها، وزمن صلابة عود السارد، يتضح أن للأمكنة ابعادا محورية في رسم ما تم استرجاعه، خلال هذا السفر الهارب، والسارد يقربنا من بعض من تشكل شخصيته، ودور هذه الأفضية في ذلك، وأثرها في مخياله، لذلك سطرها بكل عفوية، وبدون مقدمات، لذلك غدت ناضحة بالصدق الفني، لأنها قاربت بعضا من قواسمنا المشتركة، واستجلت المسكوت عنه، وساهمت في تشكل ملامح أديب أثرى ذائقتنا الأدبية والفنية.