شكسبير والفارس العربي.. مصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

على خطى بورخيس

على مقربة من النهر كان شكسبير وحيدا، غارقا في تأمله، شاخصا ببصره نحو المجهول.. بتمعن شديد يفكر في بطل مسرحيته القادمة. كان يريده مختلفا عن باقي أبطال مسرحياته السابقة.. في تلك الأثناء هب نسيم لطيف. داعب سحنة وجهه، استنشق شكسبير ذراته بعمق، وكأنه يعب آخر دفقة من الهواء.. فكر في أن ذلك سيساعده حتما على تجديد حيويته، ويسعفه على مزيد من الغوص العميق في بحيرة الخيال الجامح.. فجأة ودون سابق إنذار أفزعه صوت سنابك تطرق الأرض بطرقات متسارعة ومتتالية، وكأنها مطرقة حداد تكيل الضربات لسندان مستسلم لقدره.. استطاعت تلك الخطوات أن تخرجه من حالة التأمل، التي كان مستغرقا فيها.. مرتبكا شخص شكسبير ببصره بعيدا، هناك حيث لاح له شبح ما فتئت هيأته تتضح تدريجيا، فرأى فارسا غريبا، يمتطي حصانه الرشيق، الذي يخب بسرعة ملفتة، سالكا طريقه في اتجاهه، حين دنا الفارس منه أكثر رأى جبته العربية الخالصة وخوذته المماثلة لقبة مسجد مدببة الرأس.. أصابه كل ذلك بالذهول، لقد كان الفارس كما تخيله تماما في خلوته هذه، وقد كان ينوي منحه شرف البطولة في مسرحيته الجديدة، التي يعكف على تأليفها في الفترة الأخيرة.. لحظتها وبكثير من الأسى والإحباط قرر شكسبير الاستغناء عن بطله، ليعوضه بآخر لا يستطيع الواقع أن يفرز شبيها له.
فعل شكسبير ذلك دون أن يدور بخلده أبدا أنه هو نفسه كان بطل قصة، يكتبها كاتب آخر، يجلس في مكان يبعد عنه بآلاف الكيلومترات، وربما بعدد من السنين، يصعب حصرها، وأن الفارس، الذي برز له فجأة، مجرد حلم يقظة، اخترق شكسبير في لحظة إلهام مشرقة.