جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-

ما جرى في مدينة آسفي لا يمكن اختزاله في مجرد حالة مناخية استثنائية أو قدر طبيعي لا يُسأل عنه أحد. فبينما لا تُحاسَب الطبيعة أمام المواطنين، تبقى المسؤولية السياسية قائمة وكاملة. الكارثة التي ضربت المدينة، مخلفة عشرات الضحايا وخسائر مادية جسيمة، كشفت بالأساس نتائج سنوات طويلة من سوء التدبير المحلي والعمى السياسي عن مخاطر معروفة ومتكررة.
بين سنتي 2015 و2021، تولّى حزب العدالة والتنمية تسيير المجلس الجماعي لآسفي خلال ولايتين متتاليتين. ست سنوات كاملة من السلطة المحلية، من القرارات والتوقيعات وتحديد الأولويات الميزانياتية واختيارات التهيئة. ست سنوات كانت كافية، نظرياً وعملياً، لإعداد المدينة لمواجهة مخاطر الفيضانات والتقلبات المناخية العنيفة التي تُعرف بها المنطقة. غير أن الواقع يُظهر أن آسفي لم تستفد لا من بنية تحتية ملائمة، ولا من مخططات وقائية ذات مصداقية، ولا من آليات استباق حقيقية بحجم المخاطر.
السؤال هنا بسيط وقاسٍ في آن واحد: ماذا فعل حزب العدالة والتنمية لحماية آسفي خلال سنوات تدبيره المحلي؟
هل جرى الاستثمار في شبكات تطهير قادرة على استيعاب الفيضانات الاستثنائية؟ الجواب: لا.
هل وُضعت خطط طوارئ عملية لمواجهة التساقطات الغزيرة؟ الجواب: لا.
هل تُرجمت تحذيرات السكان ومخاوفهم وإشارات الخطر المتكررة إلى إجراءات ملموسة من طرف رئاسة جماعية يقودها الحزب؟ الجواب، مرة أخرى، سلبي.
اليوم، غُمرت أحياء بأكملها، وفُجعت عائلات في أحبائها، ووجدت مدينة جريحة نفسها أمام ثمن إدارة محلية قائمة على التأجيل، وتعليق المشاريع، وغياب الرؤية الوقائية. نعم، للدولة مسؤولية، ونعم، على الحكومة المركزية أن تُحاسَب على السياسات الوطنية للوقاية من المخاطر. لكن تحميلها وحدها كامل المسؤولية ليس سوى محاولة لصرف الأنظار عن التقصير المحلي.
فالسلطة المحلية ليست إدارة ثانوية، بل حلقة أساسية في حماية المواطنين. وعندما يحتكر حزب واحد تدبيرها لسنوات، يصبح الإفلات من المحاسبة أمراً غير مقبول. في هذا السياق، تبدو خرجات عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، غير موفقة، بل ومسيئة. فالرجل يجسّد سياسياً المسؤولية الأولى عمّا وقع. حزبه هو من سيّر آسفي محلياً، وحزبه هو من صاغ الاختيارات وكرّس التراجعات، وحزبه هو من حكم دون أن يُعِدّ المدينة لما كان متوقعاً. الظهور اليوم في موقع الواعظ أو المعلّق ليس سوى هروب من مواجهة الحقيقة.
مسؤولية بنكيران هنا سياسية وأخلاقية قبل كل شيء. فهو رمز لثقافة تدبير فضّلت الخطاب على الفعل، والتبرير على الاستباق، والتواصل على الاستثمار البنيوي. وعندما تُترجم نتائج هذه الثقافة إلى خسائر في الأرواح، يصبح الصمت والتواضع أولى ردود الفعل.
إن مأساة آسفي يجب أن تفتح نقاشاً وطنياً واسعاً حول مسؤولية المنتخبين المحليين في ظل تصاعد المخاطر المناخية. لكنها في الوقت ذاته تذكير صارخ بأن تدبير مدينة لسنوات دون حمايتها يترتب عنه حساب مباشر. وفي هذه الحالة بالذات، لا يستطيع حزب العدالة والتنمية، ولا عبد الإله بنكيران في المقدمة، التبرؤ من المسؤولية، أو الاحتماء بالطبيعة، أو تحميل الدولة وحدها كامل اللوم.
