جريدة أرض بلادي -اسماء بومليحة-

لا تكتفي مراكش، المدينة الحمراء، باستقبال زوارها بتاريخها العريق ومعالمها الضاربة في عمق الزمن، بل تؤكد مرة أخرى قدرتها على تحويل التظاهرات الرياضية الكبرى إلى موعد ثقافي وإنساني متكامل. فبموازاة أجواء كأس الأمم الإفريقية، برزت فضاءات المشجعين بالمدينة كمنصات حية تمزج بين شغف كرة القدم وثراء الهوية المغربية.

هذه الفضاءات، التي انتشرت في عدد من الأمكنة الحيوية بمراكش، لم تُخصص فقط لمتابعة المباريات، بل تحولت إلى ملتقى مفتوح للعائلات وعشاق الكرة، وفضاء للترويح عن النفس في أجواء احتفالية تعكس روح المدينة المضيافة. ملاعب للقرب، مقاهٍ تقليدية، شاي مغربي بنكهته الأصيلة، وعروض للصناعة التقليدية والإبداعات اليدوية التي أبدعتها أنامل نساء مراكشيات، كلها عناصر نسجت لوحة ثقافية متكاملة تنبض بالحياة.
ولم يقتصر حضور هذه الفضاءات على المغاربة، بل استقطبت زوارًا أجانب وأفارقة من مختلف بقاع العالم، في مشهد يعكس مكانة المغرب كأرض للقاء الحضارات وملتقى الشعوب. فزيارة المغرب، في مثل هذه المناسبات، لا تُختزل في متابعة مباراة أو الاحتفال بهدف، بل تتحول إلى تجربة ثقافية وهوية حضارية راسخة، تترك أثرًا عميقًا في ذاكرة الزائر.

كما شكلت هذه الفضاءات فرصة حقيقية للترويج للاقتصاد المحلي، من خلال دعم الصناع التقليديين، وتسويق المنتوجات المجالية، وتعزيز حضور المرأة في المشهدين الاقتصادي والثقافي. وهي مبادرات تكرس البعد التنموي للرياضة، وتؤكد أن التظاهرات الكبرى يمكن أن تكون رافعة للتنمية المحلية والاندماج الاجتماعي.
وتمنح فضاءات المشجعين، إلى جانب بعدها الترفيهي، فرصة للتلاقي والتلاقح الثقافي، وربط الحاضر بجذور ضاربة في التاريخ، بما يعكس النموذج المغربي القائم على الانفتاح والتسامح والتعايش، والذي ظل عبر قرون فضاءً رحبًا لمختلف الثقافات والأديان.
بهذا المعنى، يتجاوز كأس الأمم الإفريقية حدود المستطيل الأخضر، ليغدو احتفالًا بثقافات الشعوب الإفريقية التي تجتمع اليوم في بلدها المضياف، المغرب. فالكأس القارية ليست فقط مباريات وأهدافًا وترتيب مجموعات، بل لحظة إنسانية وثقافية تؤكد أن كرة القدم لغة كونية، قادرة على توحيد القلوب وبناء جسور التقارب بين الشعوب.
