قصة قصيرة الشاعر الذي لم يمزق قصيدته إلى المبدع مصطفى لغتيري .. بقلم محب الأدب

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

 

في ساحة المدرسة، حيث عبق الورود النامية في أحواض دائرية يفوح بقوة، جلس الفتى “هيثم” على مقعد رخامي طويل، مستمتعا بجمالية المكان. غمرته حالة من الهدوء العميق، كأنه غير معني بروح الشغب التي سيطرت على جل التلاميذ.
في طريقه إلى الفصل، رآه أستاذ اللغة العربية جامدا في مكانه.. دلف نحوه.. خاطبه بصوت هادئ يليق بجلسته الصوفية:
“هيثم، بني، ألم تنتبه أن الساحة أصبحت فارغة؟”
الانبثاق المفاجئ للأستاذ في عالم هيثم السحري لم يسبب له أي إحراج، بدا متصالحا مع غرابته.. أفرج عن ابتسامة عفوية، ثم أجاب:
“أهلا أستاذي العزيز، لقد كنت شاردا لم أشعر بشيء مما حولي”
بحنو أبوي، ربت الأستاذ على كتفه، ثم دلفوا معا نحو الفصل..
فور وصولهم إلى الباب، وقف جميع التلاميذ تبجيلا لأستاذهم كما هي عادتهم في بداية كل حصة.
بهدوئه الملحوظ جلس هيثم في مكانه قرب النافذة..
رغبة منه في التدريس بأسلوب جذاب، وجه الأستاذ إلى تلاميذه سؤالا مفاجئا:
“من يستطيع أن يصوغ لنا جملة مفيدة يحتفي فيها بفصل الربيع؟”
رفع التلاميذ أصابعهم. كل واحد منهم يريد أن يحظى بشرف المشاركة.
بشكل عفوي، وقع اختيار الأستاذ على هيثم، فأجاب بثقة :
“أتى الربيع مصحوبا بالابتهاج.”
متفاجئا بروعة تعبيره، ردد الأستاذ في نفسه:
“كلام الفتى ينضح بروح الشعر.”
انتشل نفسه من بحيرة الدهشة، ثم تابع شرح الدرس بحماس غامر، فأثار حوارا ممتعا حول سِحر الطبيعة.
انخرط فيه الجميع بنشاط لافت، إلا هيثم لأنه كان مستغرقا في الكتابة…
انتبه تلميذ ظريف لما يدونه هيثم فصاح قائلا:
“أستاذ، أستاذ… هيثم يكتب الشعر.”
روح الدعابة تملكت الأستاذ، فقال لهيثم: “أنت شاعر وتخفي عنا هذا السر، هيا إلى السبورة، نريد أن نسمع شيئا من أشعارك.”
ارتفعت أصوات التلاميذ تشجيعا لصديقهم:
– “هيا، يا هيثم، أطرب مسامعنا.”
– هيثم تشجع… ”
اكتسحه التردد في البداية، لكنه حاول التغلب عليه… تساءل في نفسه:” إلى متى سيبقى شعري حبيس صدري ودفاتري؟ ”
برباطة جأش لا يستهان بها، أخذ ورقته وتوجه بها نحو مقدمة الفصل، ليقف بثبات أمام زملائه…
لتزويده بجرعة إضافية من الثقة بنفسه، جلس الأستاذ في مكانه، ثم قال له باحتفاء كبير:”
هيا، يا شاعرنا الفذ، أتحفنا بما لديك!
تنحنح هيثم ليتأكد أن حباله الصوتية على أتم الاستعداد، ثم بدأ يلقي قصيدته بصوت عذب أخذ يتصاعد تدريجيا في أرجاء المكان…
العيون بدأت تتسع تدريجيا…
تعابير الدهشة تربعت على الوجوه… الأرواح حلقت بأجنحة من خيال…
شعروا وكأنهم يتجولون في حديقة زاخرة بورود زاهية الألوان…
بعد انتهاء هيثم من إلقاء مقطوعته حول الربيع، صفق الجميع بحرارة تتويجا للموهبة الشعرية المتفجرة…
هالة من الفرح العميق غمرت كل الفصل بأشعتها الذهبية، زادها توهجا احتفاء الأستاذ بميلاد الشاعر الجديد.