ارض بلادي- متابعة
شاركت فتيحة عثمان إلى جانب وفد رفيع المستوى في المؤتمر المقيم بالأردن حيث كانت لها مداخلة في الجلسة الأولى تحت عنوان : تماسك الأسرة في عصر الفردانية وعلاقتها بالتفكك الأسري .
وتطرقت عثمان في مداخلتها إلى مايلي :
1. في ظل التحولات الاجتماعية المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم، برز ما يمكن تسميته “عصر الانفرادية” أو الانعزال الاجتماعي داخل الإطار العائلي، حيث بات كل فرد يعيش في عالمه الخاص رغم وجوده داخل الأسرة الواحدة. فقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز التواصل الخارجي على حساب التواصل الداخلي بين أفراد الأسرة، مما أدى إلى ضعف التفاعل الإنساني المباشر وتراجع قيمة الحوار داخل الأسرة. هذا الوضع خلف جفاءً وعاطفية وبروداً بين الآباء والأبناء، وأضعف دور الأسرة كمؤسسة قائمة على الترابط والتكافل والدعم المعنوي.
إن الانفرادية حين تتسلل إلى العلاقات الأسرية تُمهد الطريق إلى التفكك الأسري، لأن غياب التواصل يولد سوء الفهم، ويغذي المشاكل النفسية والاجتماعية، ويجعل كل فرد أكثر انغلاقاً على ذاته، بعيداً عن روح المشاركة والمسؤولية المشتركة. كما أن ضغوط الحياة المادية والتحديات الفردية أصبحت تقدم أحياناً على حساب الروابط العائلية، مما أدى إلى زيادة نسب الطلاق وتراجع التضامن الأسري.

ولذلك، فإن مواجهة التفكك الأسري في زمن الانفرادية تتطلب إعادة بناء ثقافة التواصل الأسري، وتعزيز قيم الاحترام المتبادل، وروح التعاون داخل البيت، كما تبرز الحاجة إلى ترسيخ الوعي بأهمية الأسرة كحِضن دافئ يوفر الأمان العاطفي والنفسي لأفرادها، وإلى توجيه الاستخدام الواعي لوسائل التكنولوجيا بما يخدم العلاقات بدلاً من أن يهدمها. فالحفاظ على وحدة الأسرة ليس مسؤولية فردية بل مسؤولية جماعية مشتركة تقوم على الحوار والتوازن والتفاهم بين متطلبات الحياة الحديثة وبين القيم الإنسانية والاجتماعية.
وفي ظل التحولات الاجتماعية المعاصرة، أصبحت الأسرة تواجه تحديات عميقة في “عصر الانفرادية” حيث تقلص التواصل الحقيقي بين أفرادها بفعل الانشغال الفردي والتطور التكنولوجي. تفككت الروابط تدريجياً، وتحول كل فرد إلى جزيرة منفصلة داخل البيت الواحد، مما مهد لظهور التفكك الأسري كنتيجة طبيعية لغياب الحوار وتراجع القيم المشتركة. ويتضاعف أثر هذه الظاهرة مع تعدد الأدوار والمسؤوليات داخل الأسرة، خاصة مع دخول المرأة مجالات العمل بقوة، باعتبارها نواة المجتمع وشريكاً أساسياً في البناء الأسري والمهني على حد سواء.
فالمرأة العاملة والمهنية تساهم بشكل كبير في دعم الأسرة مادياً وتربوياً، غير أن غياب بيئة عمل ملائمة تساعدها على التوازن بين مسؤولياتها المهنية والأسرية قد يدفع نحو اختلال هذا التوازن، فنظهر آثار ذلك في شكل توتر أسري وإجهاد نفسي وصعوبة في التنشئة السليمة للأبناء، مما يفتح الباب أمام التفكك الأسري. ضغط الوقت، ساعات العمل الطويلة، وعدم توفير حضانات أو مرونة وظيفية للأمهات، كلها عوامل تضعف دور المرأة داخل الأسرة رغم جهودها وإخلاصها، وقد تؤدي في قصدها إلى اتساع المسافة العاطفية بين أفراد الأسرة وارتفاع منسوب الخلافات بسبب ضعف المتابعة التربوية.

ومن ثم، فإن معالجة التفكك الأسري في زمن الانفرادية لا يمكن أن تتم دون تمكين المرأة من أداء دورها الأسري والمهني بتوازن، وذلك عبر توفير بيئة عمل داعمة تراعي الاستقرار الأسري، وتشجيع تقاسم الأدوار داخل الأسرة بين الزوجين، وإحياء ثقافة الحوار والتكافل الأسري. إن الأسرة ليست مجرد إطار اجتماعي، بل هي مشروع تشاركي يقوم على التعاون والمسؤولية المشتركة، وحين نحمي تماسكها نحمي أمن المجتمع واستقراره ومستقبل أجياله.
