ملف قاضٍ متهم بالارتشاء يعود إلى الواجهة بعد إبطال الحكم الاستئنافي

جريدة أرض بلادي – عبد الفتوح كريمة-

بسبب قصور في التعليل شرعت غرفة الجنايات الاستئنافية المختصة في جرائم المال بمحكمة الاستئناف بفاس، صباح الأربعاء، في النظر من جديد في ملف قاضٍ متابع بتهم تتعلق بـ“استغلال النفوذ والارتشاء مقابل أداء مهام تدخل ضمن نطاق وظيفته”. وشهدت الجلسة حضور هيئة دفاع واسعة تضم أكثر من ستة عشر محامياً، أغلبهم ينتمون لهيئة الدار البيضاء.

وتعود فصول هذا الملف إلى الفترة التي كان فيها القاضي يشغل منصب مستشار بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قبل أن يصدر في حقه حكم استئنافي نهائي عن محكمة الرباط، بعد الاشتباه في تدخله في مسارات بعض القضايا مقابل منافع غير مشروعة. وجاء الحكم حينها مؤيداً للقرار الابتدائي، وقضى بسجنه سنة نافذة وغرامة قدرها 30 ألف درهم مع تحميله الصائر وإلغاء المراقبة القضائية.

إلا أن دفاع المتهم لجأ إلى الطعن بالنقض، معتبراً أنّ القرار الاستئنافي السابق شابه قصور في التعليل وعدم التمحيص الكافي لوسائل الإثبات. وقد استجابت محكمة النقض لهذا الطعن، مسجلةً أن محكمة الاستئناف بالرباط لم تمنح دفوع المتهم ما يكفي من التقدير، كما استبعدت شهادات أدلى بها شهود بعد أدائهم اليمين، واعتمدت في المقابل على تصريحات سابقة خلال البحث التمهيدي دون دعمها بأدلة قانونية واضحة.

وأكدت محكمة النقض في قرارها أن الملف يخلو من أي معطيات تقنية، كالمكالمات الهاتفية، تثبت طلب مبالغ مالية أو قبولها، إضافة إلى غياب تصريحات مباشرة من أي طرف تفيد وجود مبالغ رشى، معتبرة أن القرائن التي بُني عليها الحكم السابق تحتمل التأويل ولا ترقى إلى مستوى القطع في الإدانة. وهو ما جعل القرار – وفق تعليلها – مفتقراً للأساس القانوني السليم.

وبناءً على ذلك، قضت محكمة النقض بإلغاء القرار الصادر في 23 أكتوبر 2024 وإحالة الملف على محكمة الاستئناف بفاس لإعادة النظر فيه وفق القانون، مع الأمر بإرجاع المبلغ المودع لصاحبه وتحميل الخزينة العامة المصاريف القضائية.

وتترقب الأوساط القانونية سير هذه المحاكمة باهتمام بالغ، لما تمثله من محطة جديدة في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يسهم في دعم ثقة المواطنين في عمل القضاء وترسيخ أسس دولة القانون.