مهرجان الأيام السينمائية بدكالة يختتم دورته الـ14 بنجاح باهر تحت شعار “السينما والهجرة السرية”

جريدة أرض بلادي -عبد الفتوح كريمة –

بأجواء احتفالية دافئة وبحضور نخبة من صناع الفن والمهتمين، أسدل الستار مساء الأحد 12 أكتوبر 2025 على فعاليات الدورة الرابعة عشرة لمهرجان الأيام السينمائية لدكالة، والتي اختارت أن تخوض في موضوع معقد وحساس تحت شعار: “السينما والهجرة السرية”، من خلال عروض سينمائية وندوات فكرية وتكريمات استثنائية مزجت بين الفن السابع والموسيقى والمسرح، وخلقت جسراً إنسانياً وجمالياً بين الأجيال.

تميزت الدورة بعرض مجموعة من الأفلام المغربية والدولية التي عالجت ظاهرة الهجرة غير النظامية من زوايا متعددة، كما شهدت تنظيم ندوة فكرية سلطت الضوء على التحديات والتمثلات المرتبطة بهذه الظاهرة، حيث أصبح المهرجان منصة فنية للنقاش الجاد حول واحدة من القضايا التي تشغل الضمير الإنساني المعاصر.

الافتتاح كان بنكهة خاصة مع تكريم الفنان المتعدد المواهب يونس ميكري، الذي افتتح فعاليات الدورة بفيلم “جوق العميين” للمخرج محمد مفتكر، الذي شارك فيه كممثل. كما نظم له لقاء مفتوح (ماستر كلاس) مع ضيوف المهرجان والجمهور، حيث تقاسم معهم رؤيته الفنية، محاولاً تحفيز الشباب على الإبداع كوسيلة بديلة عن ركوب قوارب الموت.

ولم يكن المهرجان مجرد فضاء للعروض والتكريمات، بل تحول إلى مختبر للتفكير الجاد في موضوع الهجرة، مؤكدًا أن الفن يمكن أن يشكل جسرًا للأمل بين ضفاف الوطن وأحلام الشباب، وأنه وسيلة لبناء الوعي وليس مجرد وسيلة للترفيه.

أشرف على تنظيم الدورة طاقم متمرس بقيادة السيناريست والناقد السينمائي خالد الخضري، حيث مرت فقرات المهرجان اليومية في أجواء تنظيمية محكمة، تعكس التجربة المتراكمة والاحترافية العالية لفريق العمل.

أما حفل الاختتام، فشهد تكريم الفنان رفيق بوبكر، الذي لم يخفِ سعادته بهذا التتويج الذي يعتبره الأقرب إلى قلبه، نظراً للصدق والعفوية التي يتميز بها المهرجان، حيث صرح بأنه يفضل المهرجانات ذات المحتوى الفكري العميق، على تلك التي يغلب عليها الطابع التجاري والمادي.

وفي لحظة مؤثرة، تم تكريم الفنانة سناء موزيان، التي عبرت عن امتنانها لهذا الاحتفاء، خاصة وأن لها جذوراً تنتمي إلى منطقة دكالة من جهة والدتها. وقد تخلل حفل تكريمها عرض فيلمها “سميرة في الضيعة” للمخرج لطيف لحلو، كما أتحفت الجمهور بأداء غنائي مؤثر كشف عن موهبتها الصوتية إلى جانب موهبتها التمثيلية.

من جهة أخرى، خصّص المهرجان مساحة مهمة للاحتفاء بالأسماء المحلية، حيث تم تكريم المسرحي القدير الحاج عبد الحكيم بن سينا، إلى جانب فرقة الإخوان وداع (ناس البريجة)، في التفاتة استحسنها جمهور المدينة. كما استحضر المهرجان أرواح ثلاثة أسماء فقدها المشهد الثقافي مؤخراً، ضمن فقرة “حتى لا ننسى”، وهم الإعلامي والناقد السينمائي علي حسن، المسرحي إبراهيم هشومي (المعروف بـ”ابّا جدي”)، ثم مروان عاصم، أحد أعضاء الطاقم التنظيمي الذي توفي خلال محاولة للهجرة السرية السنة الماضية.

على مستوى البرمجة السينمائية، تميز المهرجان بعرض أفلام جريئة عالجت موضوع الهجرة من زوايا مختلفة، منها: “ابن السبيل” لمحمد عبد الرحمن التازي، “الجولة الأخيرة” لمحمد فكران، “وبعد” للمخرج الراحل محمد إسماعيل، و*”الأندلس حبي”* لمحمد نظيف. كما تم عرض أفلام المكرمين، مثل “جوق العميين”، “سميرة في الضيعة”، و*”السمفونية المغربية”* لكمال كمال، مما أضفى على الدورة تنوعاً غنياً ومتماسكاً في الشكل والمضمون.

بهذا، اختتمت دورة أخرى من مهرجان الأيام السينمائية لدكالة، مثبتة أن السينما ليست فقط فناً بصرياً، بل صوتًا للواقع ووسيلة للوعي الجماعي، ومتنفساً للحديث عن قضايا تؤرق المجتمع وتحثه على التأمل والتغيير.