جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-
في خطوة حازمة طال انتظارها، وجّهت وزارة الداخلية، يوم الثلاثاء 22 يوليوز الجاري، تعليمات صارمة تقضي بمنع منتحلي صفة الصحافيين وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي من حضور وتغطية الأنشطة الرسمية التي تنظمها العمالات ومختلف المصالح التابعة للدولة، مع قصر التغطية الإعلامية على الصحفيين المهنيين المعتمدين، المنتمين لمؤسسات إعلامية قانونية.
وحسب مصادر مطلعة، فإن هذا القرار جاء استجابة لحالة الفوضى التي باتت تطبع عدداً من الأنشطة الرسمية، بسبب تسلل أشخاص يزعمون الانتماء إلى مهنة الصحافة دون أي صفة قانونية أو تأهيل مهني، وهو ما أفرز مشاهد عبثية أساءت إلى صورة المؤسسات وخرقت الأعراف والبروتوكولات الرسمية المعمول بها.
وتُعد هذه الخطوة ضربة قاصمة لفئة من المتطفلين الذين استغلوا غياب الضوابط التنظيمية، وانتحلوا صفات وهمية تحت أسماء فضفاضة من قبيل “هيئة الأخبار” أو “مؤسسة نيوز”، وغيرها من التسميات التي لا وجود لها في السجلات القانونية، بغرض الاسترزاق وممارسة الابتزاز والتشهير باسم “الصحافة”.
عدد من هؤلاء المنتحلين، وفق معطيات موثوقة، يحملون سوابق قضائية أو موضوعون تحت أنظار الأجهزة المختصة، ويستعملون صفاتهم الزائفة كوسيلة للتغلغل داخل الأنشطة الرسمية والتقرب من المسؤولين والمؤسسات، دون احترام لأي قواعد مهنية أو أخلاقية، بل مستغلين واجهات زائفة مثل “الحقوقي” أو “الفاعل الجمعوي” أو “المدوّن”، للهروب من الرقابة القانونية.
ولا يخفى أن هذا الوضع شجّع بعض الموظفين والعاطلين عن العمل على خوض مغامرات إعلامية غير مسؤولة، بالاحتماء بصفحات “فيسبوك” أو منصات رقمية، دون توفرهم على أي تكوين أو تأطير أو انتماء مهني، ما جعل منهم مصدر خطر حقيقي على الأمن الإعلامي، وعلى مصداقية المعلومة، بل وحتى على صورة الدولة وهيبة مؤسساتها.
وفي ظل هذا التمدد الفوضوي، أصبح من الواجب على مختلف مؤسسات الدولة، مركزياً وترابياً، أن تلتزم بإجراءات واضحة في التعامل مع ممثلي وسائل الإعلام، وأن تحصر التغطية الإعلامية على المؤسسات الصحفية القانونية، التي تتوفر على سجل تجاري، وأطقم مهنية رسمية، وبطاقات اعتماد صادرة عن الجهات المختصة، مع احترام كامل للمعايير المهنية والأخلاقية للمهنة.
إن استمرار التساهل مع منتحلي الصفة لا يشكل فقط خرقاً للقانون، بل يُسهم بشكل مباشر في تشويه صورة البلاد، وضرب مصداقية الإعلام الوطني، حيث تحوّلت بعض الأنشطة إلى منصات للتشهير والقذف، يتم فيها استهداف الأشخاص والمؤسسات دون أدنى احترام للحق في الصورة أو الحياة الخاصة أو مقتضيات القانون.
ويُعتبر تدخل وزارة الداخلية استجابة لمطالب متزايدة من فعاليات مهنية ونقابية وهيئات رسمية، خاصة بعد انتخاب النسخة الجديدة للمجلس الوطني للصحافة، الذي عبّر بدوره عن رفضه للتمدد غير المشروع لمنتحلي الصفة تحت غطاء “الصحافة الرقمية” أو “الناشط الفيسبوكي”، وهي ظاهرة باتت تهدد الأمن المجتمعي وتغذي حملات التشكيك التي تستغلها جهات معادية للإساءة إلى استقرار المغرب ومؤسساته.
وعليه، فإن المرحلة المقبلة تفرض العمل على تطهير المشهد الإعلامي من هذه الشوائب، والارتقاء بالمهنة الصحفية من خلال دعم المؤسسات الجادة والملتزمة بالقانون، وتمكينها من أداء دورها في نقل الحقيقة بمسؤولية، والمساهمة في البناء الديمقراطي للمملكة، بعيداً عن الفوضى والانحرافات التي تختبئ وراء شاشات الهواتف وصفحات التواصل.
إن المغرب، وهو يستعد لمرحلة مفصلية من التحولات الإقليمية والدولية، يحتاج إلى إعلام وطني قوي، يحترم المهنية، ويدافع عن القيم، ويعكس الصورة الحقيقية للوطن، لا إلى جيوش افتراضية تقتات من الفوضى وتُسيء إلى سمعة البلاد داخلياً وخارجياً