يوم السوق في رمضان ” دكتور : عبد العزيز حنون”

جريدة ارض بلادي_رضوان جميلي_

كانت في رمضان تنتعش اكثر الدورة الاقتصادية البسيطة و المغلقة للدواوير والمداشر المحيطة بالفيلاج بما يشبه المقايضة. يتجمع البائعون والمشترون بكثافة و كان الكل تقريبا بائعاوالكل مشتر باستثناء الموظفين. الكل يجلب شيئا ما صالحا للاستهلاك من المواد الطبيعية كالدجاج والبيض او بعض الخضر من “السانيات” والفواكه المحلية كالباكور والكرموص و المنون و الدلاح البوري صغير الحجم وكذلك الكرعة الدكالية الرطيلية. يتم بيع المتاح المحلي لجمع ريالات معدودة للدخول للسوق.تجد مسنة أو مسنا قد يعيش وحيدا في الخيمة يمتطي حمارته وفي الشواري شيء من البيض فيفرح أشد الفرح بما يحصل عليه من الريالات ويمر من الرحبات لاقتناء ما باستطاعته حسب الأولويات: “لي جاه اللحم غالي يتكحاز لفادو و لي جاه الزرع غالي يتكحاز لجوادو” يعني اجوده وليس ضعيفه كاللحم نظرا لاهمية الخبز في المعيشة البلدية. و هكذا لكل حال شكارة و جيب مقام “آش تجيب”.

 

كان السوق برمضان “يعمر” أكثر حتى لا تستطيح التحرك فيه الا بصعوبة نظرا للاكتظاظ في صيف حار “يطير الطير ويجي على راسو”. ترى الناس منشغلة في حيوية، كل يمضي لقضاء مآربه، وتزداد “الحرنة” بتوسط الشمس كبد السماء.

كنت اخرج منه بعد اقتناء الخضر مع الوالد رحمه الله و قد جف حلقي في وقت مبكر من اليوم، مما يعني ساعات من انتظار الفطور و انت في عطش حاد تتخيل معه الماء وانت تراه في الخابية ماء رقراقا وشفافا و احسن ما تشتاقه النفس و اثمن ما يجود به الله على العباد..

 

بفرط المجهودات البدنية لبعضهم كطالب معاشو والخضارة والكزارة كان بعضهم لا ينتصف اليوم الا و يسقط منهار القوى يلهث، ومنهم من يفقد وعيه فيحضر الناس الماء لرش الوجوه و غسل الأطراف والوضع في الظل حتى يسترجع الأنفاس.. هناك من ينصحه “غا شرب الله غفور رحيم حتى تردو ” بعضهم يضطر للإفطار فينقسم الجمهور لمستنكر و مبرر، وتتناسل الحكايات في القبيلة التي لا تسلم من “فيخرات” تضخيم الأحداث “وكالين رمضان غادي يكرجها فيهم” و هناك من يقول “علاش ما يدير بنادم حسابو في راسو ويخدم عا بشويا” وهناك من يستنكر ” تا الجهالة لاش تا يبدا بنادم يقلب على الما”..في اليوم نفسه تنتقل هذه النوازل عند الوالد رحمه الله والفقيه سي السعيد الصقلي والفقيه سي عزوز: ما حكم من شرب الماء في رمضان نظرا للعطش وهل يحق له الاكل ايضا!! وهل العمل في حقه يصبح حراما في رمضان !!

 

هم يعلمون أن الضرورة تقتضي الإفطار الاضطراري حفظا للابدان لكن كان الناس يميلون للوم والتعسير أو العقاب ..والطبيعة البدوية الجافة في المعاملات لا تقبل الا فتاوي التحمل والصبر والرجولة ووو ، وترى الرخصة ضعفا في العزيمة والدين ولو بالهلاك.

 

كنت انتظر الفطور باحر من الجمر و كنت أضع قارورة ماء جنبي وبمجرد سماع الأذان الصقها على فمي و اكركرها دون تنفس.. ولا أعذب ولا أجمل من شربة ماء بعد عطش طويل رغم انها قد “تنفخك” و تفسد عليك ما بقي من الفطور .