أسر الشهداء : بين صدى الجدران وصمت الانسان بقلم: العيرج ابراهيم : ابن شهيد

جريدة أرض بلادي

صرخة من الاعماق لاسر الشهداء تحت شعار (وفاء للقضية ونداء للانصاف )

 

في دولتنا السعيدة، حيث تزدهر الأقوال المأثورة وتتنافس

 

الحكم الشعبية على لقب “الأكثر تعبيراً عن الواقع”، تبرز مقولة “الحيطان عندها وذنين” كشاهد صامت على قدرة الجدران الخارقة على الاستماع والإنصات. يا لها من نعمة أن تعيش أسر شهداء حرب الصحراء في كنف جدران تفهم معاناتها وهمساتها وحتى تنهداتها!

 

لكن، ويا للمفارقة العجيبة، بينما تنصت جدراننا باهتمام بالغ، يبدو أن هناك فئة أخرى من المخلوقات في هذا الوطن تتمتع بقدرة انتقائية عجيبة في السمع. نتحدث هنا، وبكل أدب وتقدير، عن السادة المسؤولين. فبينما تتردد أصداء مآسينا – خاصة تلك المتعلقة بشهداء حرب الصحراء وذويهم – على مسامع جدران مختلف المؤسسات الدستورية بوضوح تام، يبدو أن آذان المسؤولين داخلها قد أصابها صمم مزمن، أو ربما انغمست في بحر من النسيان العميق.

 

إنه حقا مشهد عبثي! الجدران، تلك الكائنات الصامتة وغير المكلفة، تحتفظ في ذاكرتها بين الشقوق والتصدعات قصصاً عن التضحيات والآلام. أما المسؤولون، أصحاب المكاتب المكيفة والسيارات الفارهة، فيبدو أن ذاكرتهم قصيرة الأمد، لا تتجاوز ربما جدول أعمالهم الأسبوعي المزدحم بالاجتماعات والخطابات الرنانة.

 

نتساءل بجدية ويبقى سؤالنا مشروعا ألا تحتاج آذان المسؤولين إلى “ترميم” دوري على غرار ما تخضع له الطرقات؟ أم أن الأمر يتعلق بـ “فلترة” انتقائية للأصوات، حيث يتم تضخيم أصوات المصفقين والمطبلين، بينما تخفت آهات الأمهات الثكالى وأنين الأرامل والأيتام حتى تتلاشى في مهب النسيان؟

 

يبدو أن مقولة “النسيان نعمة” قد تم تطبيقها هنا بشكل حرفي ومبالغ فيه. فبدلاً من أن تكون النعمة للمكلومين لتجاوز أحزانهم، أصبحت أداة مريحة للمسؤولين للتخلص من مسؤولياتهم وتجاهل الحقوق المشروعة.

 

إننا ندعو، وبصوت عالٍ قد تسمعه الجدران بالتأكيد، إلى ضرورة إجراء “زراعة قوقعة” جماعية لآذان المسؤولين، أو على الأقل تزويدهم بـ “سماعات تقوية السمع” فائقة الجودة لالتقاط صرخات الضمير الخافتة. كما نقترح عليهم دورات مكثفة في “تنشيط الذاكرة” لعلهم يتذكرون التضحيات الجسام التي قدمها هؤلاء الشهداء من أجل هذا الوطن.

 

ختاماً، نتوجه بالشكر الجزيل إلى جدراننا الصبورة التي تستمع إلينا دون ملل أو كلل. ونأمل أن يأتي اليوم الذي تتجاوز فيه آذان المسؤولين قدرات الجدران الخارقة، وأن يستيقظوا من سبات النسيان ليوفوا الأبطال وذويهم ولو جزءاً بسيطاً من حقوقهم. فوحدهم المسؤولون القادرون على تحويل صدى الجدران إلى أفعال ملموسة على أرض الواقع.