تحرير نصيرة بنيوال/جريدة ارض بلادي
في شوارع المغرب، علت أصوات شبابية صادقة تحمل حبا عميقا لهذا الوطن. لم يخرج هؤلاء الشباب بحثا عن فتنة أو صدام، بل بدافع نقي يتمثل في المطالبة بحقوق أساسية في التعليم والصحة، وهما ركيزتان لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض بدونهما.
يعرف هؤلاء الشباب تماما ما يريدون، بدءا من جودة التعليم وتكافؤ الفرص، وصولا إلى مدارس تحترم كرامة التلميذ والمعلم، ومستشفيات تليق بالمواطن، وخدمات إنسانية مع رقابة تمنع الفساد وتربط المسؤولية بالمحاسبة. إنهم جيل واع يميز بين المطالب المشروعة والمزايدات السياسية، ويصرخ من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة، لا أكثر.
ورغم سلمية المسيرات، واجه الشباب تدخلات أمنية و توقيفات. بررت السلطات ذلك بأن التظاهرات “غير مرخصة”، لكن المواطن العادي يتساءل: هل هذا مبرر كاف لقمع حق دستوري في الاحتجاج السلمي؟ وهنا يظهر السؤال : أين الحكومة المنتخبة التي يفترض بها أن تستمع وتستجيب لمطالب المواطنين قبل أن تضطرهم الساحات للتعبير المباشر؟
“أين الحكومة المنتخبة التي يفترض بها أن تستمع وتستجيب لمطالب المواطنين؟ قبة البرلمان التي تبدوا بعيدة عن هموم و مشاكل الشباب ؟ ”
و غياب الوسيط دفع الشباب إلى التحرك المباشر، لأن النقابات والأحزاب و مراكز الاستماع والخلايا الاجتماعية،….. التي يفترض أن تحتضن هذه المطالب، بقيت ضعيفة في التفعيل ولم توفر قنوات فعالة للنقاش.
ومع كل الانتقادات السياسية، يظل حب الوطن العنوان الأبرز. ينتقد الشباب السياسات الحكومية بشجاعة، لكنهم يعلنون ولاءهم لوحدة البلاد ويلتفون حول العرش العلوي، رافعين أصواتهم إلى جلالة الملك بصفته رمز الاستقرار والضامن الأول للعدالة الاجتماعية. يطالبون بإصلاح حقيقي وعدالة تحفظ كرامة المواطن، مع الثقة في رؤية الملك لإقامة دولة اجتماعية دامجة.
هذا الجيل يدرك أيضا محاولات البعض لتحويل مطالبه إلى “ترند” سياسي أو ركوب الموجة على حسابهم، لكنه يرد عمليا: لن يسمح لأحد أن يمس أمن وطنهم أو يشكك في وحدته. ولاءهم للعرش ليس شعارا انتخابيا، بل قناعة متوارثة عبر الأجيال. لا حزب يجذبهم، ولا جهة تمثلهم، فهم جيل حر يرفض الاستغلال ويقف في الصفوف الأمامية لحماية الاستقرار.
بعد انتهاء المسيرات، انتقل صوت الشباب إلى الفضاء الرقمي بقوة أكبر، عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث بثوا رسائل موحدة تؤكد أنهم من سيحارب أي يد خفية، في الداخل أو الخارج، تحاول زعزعة استقرار المغرب. ويقولون بصراحة إن ارتباطهم بالعرش العلوي ليس شعورا عاطفيا فقط ، بل قناعة راسخة يعيشونها ويحموها، مؤكدين أنهم حائط الصد الأول في كل مساحة حقيقية ورقمية، يواجهون الشائعات ويفشلون محاولات استغلال مطالبهم : “لن نسمح لأحد أن يمس أمن وطننا أو يشكك في وحدته و ولائنا”
الشباب يعرفون أن الخلل لا يقتصر على الحكومة وحدها؛ المواطن أيضا يتحمل جزءا من المسؤولية حين يغض الطرف عن الفساد اليومي. إنها منظومة تحتاج إلى مراجعة شاملة تشمل الحكومة والمؤسسات والمجتمع المدني والأفراد. يرون أن الإصلاح لا يولد من الصمت، بل من النقاش المفتوح واعتبار التظاهر السلمي قوة اقتراح لا تهديدا، وأن الاستثمار في الإنسان يجب أن يكون أولوية، فلا معنى لإنجازات ضخمة إذا بقيت المدرسة والمستشفى في الهامش. كما يطالبون بشراكة حقيقية مع الشباب، تمكنهم من المشاركة في رسم السياسات، وليس الاكتفاء بشعارات انتخابية.
خرج شباب المغرب لأنهم يعشقون تراب هذا الوطن، ويدركون أن أمن البلاد واستقرارها خط أحمر لا يمكن تجاوزه. صوتهم دعوة لبناء وطن يليق بأحلامهم، وطن تتساوى فيه الحقوق والواجبات، وطن يكرس التعليم والصحة كأقدس الاستثمارات، وطن يعيش بالعدل كما يعيش بالحب. وبهذا الوعي وولائهم العميق، يؤكدون أننا شعبا يلتف حول ملكه منذ قرون سيظل صوتا واحدا وجدارا صلبا أمام كل من يحاول ركوب الموجة أو المتاجرة بمستقبل البلاد.