التعليم بين الواقع و الخيال بالمغرب

جريدة أرض بلادي-محسين الادريسي-

يظل الهدر المدرسي إحدى الخصائص الهيكلية التي تطبع النظام التعليمي المغربي، وهذه الظاهرة تعد من أكبر المعيقات التي تعرقل تطور العملية التعليمية بجميع مراحلها، سيما المستوى الابتدائي و الاعدادي والتي تسببت في نزيف كبير للموارد البشرية، وهي ظاهرة مركبة تشمل مجموعة من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

 

و ظاهرة الهدر المدرسي تنتشر أكثر بالوسط القروي، تليه الأحياء الشعبية، أي الأحياء الهامشية والفقيرة بالوسط الحضري، مما يعمق من نتائجه الخطيرة، مثل انتشار الأمية والبطالة والجريمة في المجتمع وهدر الموارد المالية للدولة، كما يؤدي حتما إلى الانحراف والتهميش والإقصاء واستغلال الأطفال في سوق العمل قبل سن الخامسة عشرة.

أما عن أسباب الهدر المدرسي، فتتنوع بين أسباب اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، ونفسية، وتربوية، وجغرافية

و سنتطرق للأسباب الاجتماعية والثقافية وتتجلى كالتالي:

 

_ الاجتماعية

الغياب المتواصل للآباء عن البيت، العنف داخل الأسرة، الانحراف الأخلاقي لبعض التلاميذ والتلميذات ( التعاطي للتدخين والمخدرات..)

أمية الآباء، غياب علاقات التواصل مع الأسرة، رفض بعض الآباء لتمدرس الفتاة (خوفا من تعرضها للتحرش الجنسي، أو من صدور أعمال عنها قد تسيء إلى سمعة العائلة …)

سيادة بعض الأفكار الخاطئة حول تدريس الفتاة القروية، حيث ترى بعض الأمهات أن البنت يجب أن تتعلم الأعمال المنزلية وبعض الأنشطة الممارسة في المنطقة، وهذا كفيل لها بحياة زوجية ناجحة أما الدراسة فهي شيء ثانوي.

مسألة الزواج المبكر، والتي تعد من بين الأسباب التي توقف مسيرة الفتاة الدراسية عند مراحلها الأولى.

_ أما الأسباب الثقافية فتتعلق أساسا بنظرة السكان القرويين للمدرسة، فالعادات والتقاليد تلعب دورا هاما، فقد نجد أسرا أحيانا تشجع أبناءها وبناتها على التمدرس خلال المرحلة الابتدائية فقط.

“اما الأسباب الاقتصادية

وتتجلى في الفقر والحاجة، والدخل المحدود للأسر، وضعف الموارد المالية للتكفل بدراسة الأبناء. هذا إضافة إلى تشغيل البعض منهم لأطفاله في أعمال الفلاحة وغيرها من الأعمال وتكليف الفتياة بأعمال البيت، إلى جانب غياب النقل المدرسي أو محدوديته في الوسط القروي.

مما ينعكس على الحالة النفسية التلميذ وتتجلى في صعوبات اندماج التلاميذ في المحيط المدرسي، ومدى قابليتهم للانخراط في المؤسسة التعليمية، وصعوبات التعلم لدى العديد منهم.

أما الطامة الكبرى العامل الجغرافي

و تتجلى في بعد المؤسسات التعليمية عن سكن التلاميذ ، وصعوبة المسالك وانعدامها أحيانا، وقساوة الظروف المناخية خصوصا بالمناطق الجبلية بما عشناه سواء بالقرى او بالمدينة حيث العديد من التلاميذ يشتكون من بعد المسافة بين المسكن و المؤسسة بسبب عدم اتخاد الجهات المسؤولة اي معيار او مخطط لتوفير التلميذ سبل الراحة و تهيئته نفسيا للدراسة في ظروف جيدة .

و بهذه المعطيات يمكن القول ان الهدر المدرسي ” قنبلة موقوتة ” ان لم نعالجها بالقدر الكافي ، ستشكل اختلالا

كبيرا في المنظومة التربوية لما لها من تداعيات اقتصادية و اجتماعية .

لان مغادرة التلميذ المدرسة من الطور الابتدائي او الاعدادي دون الحصول على اي شهادة تعليمية تتزايد احتمالات عودتهم إلى الأمية و الانحلال الخلقي مما يؤثر على المجتمع سلبيا .

لا يهمنا تشجيع التلميذ بتقديم له محفظة و ادوات دراسية كل موسم دراسي ،بقدر ما يهمنا إعادة النظر في الاستراتيجية للحد من الانقطاع عن الدراسة و فهم اسبابها و دوافعها .