برقية مفهومة

 

بقلم: عبد اللطيف بوهلال

 

على مستوى الطريق الجهوية المؤدية الى مدينة الرباط انطلاقا من الدار البيضاء وبالضبط بشارع محمد اليزيدي التابع ترابيا لمقاطعة عين السبع وقعت حادثة سير يومه 27 أكتوبر من السنة الجارية بين سيارة خفيفة وشاحنة من الحجم الكبير بأضرار خفيفة مادية ومعنوية، لا أتطرق في حديثي هذا عن حجم الخسائر وظروف الحادثة التي لم تحز في نفسي شيئا أكثر ما حز فيها أن الأمر كان يستدعي حضور رجال الشرطة التابعين لقسم حوادث السير.

أطوار الحادثة تمت أمام مرأى شرطيين كانوا مرابضين في خط السير المقابل لمسار العربتين موضوع الحادثة، تدخلهم الوحيد كان فقط من أجل تحرير الطريق وضمان حركة مرور سلسة وبعد تحقيقهم لهذا الهدف انسحبوا في هدوء تام كسرنا صفوته بعد أن طلبنا منهم الاتصال بقسم حوادث السير لأن الأمر كان ملزما لذلك بحسب الظروف الواقعية التي مر فيها الحادث وبكل برودة أكد لنا شرطي نتوفر على رقمه الوظيفي أنه يجب علينا الاتصال ” بالرقم تسعطاش” وكأن جهاز اللاسلكي الذي يتوفر عليه مجرد ” قشواشة ديال عاشوراء”، انها الفكرة الأولى التي باح بها فكري وجعلها ترسم قيمة هذا الجهاز في السراء والضراء الأمنيين، فكرة ظلت تتبع خطوات هذا الشرطي من حواره الرديء معنا الى أن غادر مسرح الحادث وتوجه الى سيارته الشخصية ومكث بها أكثر من ربع ساعة ، غادر فيها عالما يعج بالصراعات والمطالب وضوضاء المنبهات الى عالم لا ندري كيف الوضع فيه وداخله ، وأخيرا خرج … وليته ما خرج ، فدخوله كخروجه لا يسمن ولا يغني من تنظيم لحركة المرور  أو خدمته لمواطن كل آماله تلك اللحظة معلقة على الشرطة.

على العموم شكرا لك أيها الشرطي لأنك لن تزور الطبيب يوما فبرودة أعصابك مناعة ضد كل أمراض العصر، وها أنت لم تقم بواجبك المهم لطفت ذاك الجو الحار الذي زاد من حره كثرة اتصالي شخصيا “بالرقم تسعطاش”، -نعم – أكثر من عشر مكالمات وفي كل مكالمة أسرد نفس الواقعة:

-بعد دقائق من الرنين المتبوع بصوت كله تهديد ان هذه المكالمة قابلة للتسجيل وأي شيء خارج الإطار القانوني قد يعرض صاحبه للخطر، المهم هذا ما فهمت فيما معناه.

وأخيرا أستقبل صوتا وكأنه قادم من عالم لا ينتمي لعالمنا: الشرطة في خدمتكم.

– بعد تأديتي للتحية بادرت بالقول، سيدي لقد تعرضنا لحادثة سير على مستوى……بين … وبين…. وانه الاتصال السادس… السابع… العاشر، ولم يحضر لمعاينة الحادثة أي فرد من أفرادكم.

-الشرطي: يجب أن تعلم أن منطقة عين السبع تتوفر على معاين واحد فقط لا غير.

أنا: معاين واحد على امتداد النفوذ الترابي لمنطقة عين السبع بأكملها محال ما تقول، هذا ليس ما تؤكده وتسعى اليه المديرية العامة للأمن الوطني.

الشرطي: يقول الشرطة في خدمة الشعب وينهي المكالمة وكأني تكلمت معه في شيء ممنوع الكلام فيه.

أعدت كرة الاتصال مرات ومرات وبعد أكثر من ثلاثة ساعات حضرت دورية للشرطة تابعة لقسم حوادث السير مكونة من فردين أحدهما قدم لنا نفسه على أنه ضابط شرطة وشرفنا باسمه الكريم، وحتى أكون مخلصا في السرد فقد كانا لبقين بشكل جيد خصوصا السيد الضابط لباقة في التعامل أنستني مرارة الانتظار ودراهم الاتصال التي أنفقت من كثرة الاتصال، لباقة كلامية وتهرب من الواجب المهني بشكل لا أحد يستطيع كشفه لكن الحمد لله أن تلك السنوات التي قضيتها في جهاز أمني مشابه للشرطة خولت لي أن أكتشف هذا التهرب المهني اللبق والفني كذاك التهرب الضريبي الذي يتفنن فيه بعض المسؤولين….يجرني اللسان والقلم لإبداء الرأي بعيدا عن موضوعي هذا ، لكن سألجم اللسان وأكسر القلم وأرجع وأقول أنه لم يكتب لي وصديقي السائق أن يتضمن محضر الشرطة اسمي واسمه، ربما بعد أن أحل ضيفا عليهم في يوم من الأيام بسبب او بغير سبب.

خيبة أمل أن تعيش لحظات طوال تنتظر حدوث أمر ما وكلك يقين بوصولك المبتغى وفي الأخير تنقشع هذه الأماني بلباقة شخص يدس في أوصالك سم الاحترام واللباقة ليتهرب من واجبه المهني الذي سيحل مشكلتك شخص يدق آخر مسمار في نعش صبرك وتعاملك مع الإدارة المغربية.

كلمات وعبارات، آهات وآلام يحبل بها الحال نتمنى أن تضمحل، أن يتم وأدها حتى لا يفقد المواطن الثقة في الإدارة المغربية وأراهن انها مفقودة.

أتمنى أن تكون برقيتي لجهاز الشرطة مفهومة فلا يعقل بتاتا أن يشغل منصب معاين حوادث السير شخص واحد على امتداد النفوذ الترابي لمنطقة عين السبع، كما لا يعقل أن ينتظر مواطن أكثر من ثلاثة ساعات حضور دورية الى مسرح حادث أو جريمة لأخد معاينات يمكن أن تتبدد وتختلف معالمها بسبب من الأسباب، ولا يعقل ألا يتم تنفيذ كل ما تراهن عليه الإدارة العامة للأمن الوطني من طرف رجالاتها، كما لا يصح ويعقل أن يتهاون فرد من أفراد الشرطة عن تقديم يد العون والمساعدة لأي شخص كيفما كان انتمائه ومشكلته.

أكيد أن البرقية مفهومة.