بين ظلمة القبور وظلمة البيوت: شهداء الصحراء  المغربية… حين أُطفئت شموعٌ لتُضاء أخرى

بقلم العيرج ابراهيم: ابن شهيد الصحراء المغربية

في عمق الصحراء المغربية، حيث الرمال تحفظ أسرارًا لا تنتهي، يرقد شهداء حرب الصحراء في قبورٍ صامتة، لا تُسمع منها سوى صدى الرياح. أولئك الذين سقطوا دفاعًا عن الأرض، عن الهوية، عن الوطن، لم يعودوا إلى بيوتهم، لكنهم تركوا فيها ظلمةً لا تنطفئ.

 

🏚️ **بيوتٌ بلا ضوء… قلوبٌ بلا دفء**

 

منذ لحظة استشهادهم، خيّم الحزن على بيوت أسرهم. لم تعد النوافذ تُفتح كما كانت، ولم تعد الأمهات تُعدّ القهوة في الصباح، ولم تعد الضحكات تُسمع من غرف الأطفال. ظلمةٌ ليست كهربائية، بل روحية، تسكن الجدران وتخنق الهواء. كل صورة معلقة على الحائط تحكي قصة فراق، وكل كرسي فارغ يصرخ بالغياب.

 

لكن بينما كانت هذه البيوت تغرق في الحداد، كانت قلاعٌ و مبان أخرى تُضاء، تُبنى، تُزخرف، وتُملأ بالاحتفالات. قلاعٌ لم تعرف طعم الفقد، بل عرفت طعم النصر، أو بالأحرى، طعم الاستفادة من تضحيات الآخرين.

 

🏰 **قلاعٌ أُنيرت بدماء الشهداء**

 

في المدن الكبرى، وفي مكاتب القرار، وفي صالونات السياسة، أُضيئت المصابيح، وارتفعت الأعلام، وتُليت الخطب. هناك من بنى مجده على دماء أولئك الذين لم يُذكروا إلا في المناسبات الرسمية. هناك من استثمر في النسيان، وجعل من تضحيات الجنود سلّمًا نحو النفوذ.

 

🎭 **دراما وطنية… بلا نهاية**

 

ما بين ظلمة القبور وظلمة البيوت، تنكشف دراما وطنية لا تُعرض على الشاشات. دراما أبطالها الحقيقيون لا يملكون صوتًا، ولا منصة، ولا حتى شاهد قبر يحمل اسمهم. إنها قصة وطنٍ مدينٌ لأبنائه، لكنه لا يزورهم إلا في ذكرى سنوية، ولا يواسي أسرهم إلا بكلماتٍ منمقة.

 

لكن رغم كل شيء، تبقى قبورهم منارات في قلب الصحراء، وتبقى ظلمة بيوت أسرهم شاهدة على نورٍ لا يُطفأ: نور التضحية، نور الوفاء، ونور الوطن الذي لا يُقاس بالأضواء، بل بالدماء.