جريدة ارض بلادي-هيئة التحرير-
في الشهر الفضيل كان يفتح الباب للأطفال لمشاركة الكبار مراسيم صلاة التراويح .. في الأيام العادية كان الخروج ليلا في الفيلاج قليلا، وخصوصا بالنسبة للأطفال، لأن الحركة كانت تنضب مع غروب الشمس، وكل نسمة كانت تغادر الفيلاج في العشية و ترجع إلى دوارها وتلزم “معشوشتها “. تبقى فقط بعض القطط و الكلاب الضالة تبحث عن جنبات دافئة في الأماكن المظلمة تنبح على مرور السحاب. العساس الوحيد كان يجلس على مشرف الشارع الرئيس الوحيد، الذي يرى من البداية حتى النهاية. عساس كان لا يغني شيئا من دهاء السراق الذين كانوا يثقبون ” بالدارجة تسمى النقب” حيطان الحوانيت من ظهورها الموالية للسوق المظلم أو المتاخم لخلاء المداحية التي يكسوها الظلام الدامس ليلا. يسرقون ماذا من فيلاج يسير بإيقاع بطيء جدا على هامش الدورة الاقتصادية؟ لن ينجاوزوا بعض القروش ” الصرف” التي لا تكفي لا للسارق ولا للمسروق..
سكون الليل هذا واحواله تنقلب الى حركية ونشاط في رمضان، فتتمدد حياة الليل بدء من الصلاة و انتهاء بسمر في مقاهي صغيرة يتجمع فيها الرجال للعب الكارطة حتى مشارف وقت السحور ..
كان ليل رمضان فسحة لنا أيضا نحن الصغار. كنا نصلي العشاء و التراويح و نملأ خلالها الفضاء ضجيجا وشغبا طفيفا بيننا، تصعد وتيرته وتنخفض حسب تحمل الكبار .. الاطفال الكبار شيئا ما يكونون أكثر انضباطا، قد يوشوشون فقط بين الركعات ويتناغزون، لكن الصغار منهم كانوا يجعلون من خلفية المسجد مجالا للتدافع تاركين الصلاة، و قد يتجولون جنب المصلين أو امامهم يتاملون الوجوه بأنوفها واذقانها و عماماتها .. بعد تسليم الإمام يقوم أحدهم من “العووولما ديال رمضان” بنهر الأطفال ومحاولة طردهم .. “ولد فلان هنينا ولا سير لداركم راه غا نكولها لباك” . يعم الصمت من جديد و بمجرد بداية صلاة أخرى حتى يبدأ منسوب الشغب في الصعود رويدا رويدا ..يبقى الأمر هكذا بين كر وفر، تخاله لعبة بين الكبار و صغار يفرضون وجودهم، حتى نصل لابتهال الختم الجماعي ” سبوح سبوح قدوس قدوس رب الملائكة والروح جللت السماوات بالعزة والجبروت وتعززت بالقدرة و انفردت بالوحدانية وقهرت العباد بالموت اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك استغفرك واثوب اليك ” نكرره جماعة بصوت مرتفع وبروحانية شفافة : عباد يخاطبون ربهم بلا حواجز ..
بعد نهاية التراويح كان لا بد من جولة في الفيلاج على مجموعات لاعبي الكارطة في المقاهي قبل العودة إلى الخيمة. عودة قد تتأخر لمنتصف الليل مما يجعلك تتسلل حتى لا تنال بعض التوبيخ من الوالد رحمه الله الذي كان يعرف كل شيء و يتغافل رغم علمه بمسار ليلتك ما دمت لم تقم بأفعال خطيرة من قبيل شرب طابا أو إثارة القلاقل واقلاق راحة الناس …