طاطا مدينة الشعر والسحر والجمال

جريدة أرض بلادي – أمينة حسيم

على متن حافلة سياحية مكيفة، غادرت قافلة الشعر مدينة مراكش،محملة بالوهج والالتماع الشعري، إلى مدينة طاطا الواقعة في سلسلة جبال باني جنوب الأطلس الصغير، ضمن آخر محطة من برنامج (نزاهة شعرية) بعد ثلاث محطات شعرية وضيئة، تضمخت برائحة الشعر،وتعطرت بمقامات الموسيقى ونوبات الطرب الصدوح…

كانت رحلة ممتعة حقا، رغم صعوبة الطريق وشدة الحر،وكثرة المنعرجات الجبلية،خصوصا بعد مغادرة ضواحي تارودانت،والتوجه صوب طاطا عبر الطريق الجهوية رقم 107 باتجاه إيغرم. لكن الأهم في كل هذا والأجمل، هو الصحبة الطيبة الميمونة لرفقاء الشعر وفنون أدبية أخرى، والقيادة الرائعة لمدير دار الشعر عبد الحق ميفراني،ومستملحاته التي كانت بين الحين والحين شحنة ذكية تزيل عنا تعب الطريق،وتسحبنا إلى حيث المرح وروح الدعابة والنكتة اللطيفة الجميلة…

هكذا كانت رحلتنا ونحن متجهون إلى مدينة طاطا التي تقع في الجنوب الشرقي للمملكة، مدينة النخيل والتمور المتعددة الالوان والمختلفة المذاق،والمدينة التي يحرسها القمر ،الجملة التي كان يرددها عبد الحق ميفراني،ونحن في الطريق،وفي واحات النخيل،وتحت سماء ليلها المرصع بالنجوم. كانت المناظر من إيغرم إلى طاطا خلابة أخاذة، وبسحر طبيعي متفرد، بعيد تماما عن سحر المدن المغربية الأخرى التي ألفنا اشجارها وشوراعها، وبناياتها المعمارية وهندستها العصرية،…سحر يجمع بين واحات النخيل الممتدة عبر الطريق،وجمال الجبال الصخرية،وأشجار أركان،والنباتات الصحراوية المنتشرة على طول سفوح سلسلة باني، والتربة المختلفة ألوانها من منطقة إلى أخرى،سبحان الله، جمال متدفق في كل الأركان،ولوحة طبيعة آسرة، تعشقها العين ويرتاح لها القلب،عظمة الله في خلقه تتجلى هناك في الصحراء التي تجمع بين خضرة النخيل وحمرة الأرض،وحرارة الجو التي لاتطاق، وجريان المياه الباردة في الواحات المنتشرة هناك وهناك…

وصلنا طاطا على الساعة العاشرة والنصف ليلا، وبالضبط إلى القرية الجماعية (أم الكردان) التي تبعد عن طاطا حوالي 12كلم، نزلنا من الحافلة لنجد في استقبالنا فرقة هوارة النسائية، وقارورات العطر الصحراوي، وزغاريد النساء،والفرحة الكبيرة في عيون الاطفال. كان الاستقبال باذخا جدا، لم ينقصه أي شيء أبدا،حرارة استقبال قوية فاقت حرارة الطقس،وقطرات العطر بللت ثيابنا ووجوهنا وجعلتنا نحس كأننا في جنائن من نرجس وريحان،وسوسن وأقحوان. طال بنا الوقت ونحن نعيش فرحة اللقاء وحلاوة الاستقبال، وجميل الترحاب، مقاطع غنائية هوارية على إيقاعات طبل كبير، وتلوينات زغرودية تكسر وحشة الليل، وتلتقي في نغم جميل مع حفيف جرائد النخل التي كانت تتمايل كانها ترقص فرحا بالشعر القادم من أرض الحمراء،والذي سيعانق بعد ساعات من ليلة الغد شقيقيه الأمازيغي والحساني في ضاحية بهية من ضواحي الصحراء…..

في الصباح، كان اللقاء مع منتدى (اوال) الحواري ،وندوة ثرية، محملة بإرث حضاري فني، تحت مقام : الشاعر وفرجاته: الشعر والفرجات الشعبية المغربية، أغنى محاورها الباحث الأنتروبولوجي المهتم بفنون أحواش، الأستاذ إبراهيم أوبلا في مداخلة حول فن أحواش، والباحثة الدكتورة أسماء كريم التي قاربت الطقس الفرجوى إمعشارن بإمعان ، بتقديم شيق للأديب عبد الحق ميفراني، في واحة (أم الغيس) السياحية، التي جمعت بين برودة المياه، وخضرة النخل،،ووفرة التمور، وسخونة الجو، لكن القلوب كانت رطبة عذبة منعشة،ساهمت بشكل كبير في إنجاح الندوة الصباحية التي حضرها سكان واحة الكردان، أنصتوا باهتمام بالغ،وتجاوبوا كثيرا مع محاور الندوة،الشيء الذي جعل الحاضرين يساهمون بتدخلاتهم ،ويغنون النقاش في جو حضاري أنيق.

مساء،كان الموعد مع الشعر والطفولة في مسابقة ركزت على تيمة الإلقاء بالدرجة الأولى، لنص عاشق للساحرة طاطا، نص يحكي وله عاشق عاش طفولته بين واحتها،ونام على ضوء نجومها، وتغذى بحليبها وتمورها،واستلقى تحت ظلال نخيلها، فكان النص لقاء عاشق هائم بمعشوقته وحبيبته في ليلة ساحرة،توجتها فرقة فنون أحواش ،بعد توزيع جوائز عديدة على المشاركات من الأطفال واليافعين في فقرة إلقاء الشعر، ليكون الشعر حاضرا مرة أخرى وبقوة في الصالون الشعري الخامس لكل من الشواعر والشعراء: آمال الغريب،هند بوهيما، إلهام ازويريق،ريم السيد،أمينة حسيم،حسان بلعطار، إسماعيل آيت ايدار،عمر مرحام جموحي،صلاح الدين بشر، السعيد ابو خالد، تلته بعد وصلة غنائية راقصة لفرقة فنون أحواش فقرة شعرية ساحرة، لكل من الشاعرة صفية عز الدين في ملحمة شعرية أمازيغية، والشاعر سالم حمورو في مقاطع شعرية حسانية مطولة، تترجم حب الوطن، وتتغنى بأمجاد المملكة المغربية ملكا وشعبا وتاريخا، تحت زغاريد نسائية رائعة وبديعة، والشاعر الشاب عبد الرحمن آيت باها، وهو يرثي أباه مرة، ويغازل حبيبته مرة اخرى في توليفة تجمع بين جميل المباني وقوة المعاني، بتقديم انسيابي مرن للشاعر بدر هبول، ابن المنطقة الذي عرف كيف يربط بين الحساسيات الشعرية، ويمكن الآخر من الانسجام والذوبان في لغة الشعر أيا كانت حروفها أو انشغالاتها …إنه الشعر الذي لايموت ولن يموت عندما يسقى بماء الحب…وإنها صلة المعرفة التي يجب أن تمتد لها الجسور، وتتهيأ لها أسباب اللقاء بكل شموخ،لينعم الإنسان بلحظات السمو الروحي، والعنفوان النفسي، وليجسد بعد كل هذا وذاك كينونته الحضارية في هذا العالم الأرضي، وليكون خليفة الله في أرضه بمنظور الجمال والإبداع والتعايش والسلم والأمان والطمأنينة العالية.