جريدة أرض بلادي

إنّ الدعوة الملكية السامية إلى إطلاق لقاءات تشاورية عبر مختلف ربوع المملكة ليست مجرّد محطة استماع ظرفية، بل هي تحوّل في فلسفة التدبير العمومي، من منطق المركزية إلى منطق القرب، ومن “البرامج المفروضة” إلى “البرامج المشتركة”. وفي هذا السياق تأتي اللقاءات التنموية التي يشهدها إقليم خريبكة، ومدينة وادي زم على وجه الخصوص، باعتبارها فرصة لتجديد الثقة بين الدولة والمجتمع، وإعادة ترتيب أولويات التنمية المحلية على أسس جديدة.
غير أنّ هذه الفرصة التاريخية لن تؤتي ثمارها إلا إذا رُفعت عنها مظاهر الانتقائية والإقصاء، وتم اعتماد منهجية تقوم على التشخيص التشاركي الحقيقي الذي ينصت للجمعيات الفاعلة في الميدان، والمهنيين، والنساء، والشباب، لا فقط لدوائر محدودة اعتادت الظهور في الصفوف الأمامية. فالتنمية العادلة تبدأ من عدالة المشاركة.

أولًا: في مجال التشغيل والاقتصاد المحلي
وادي زم مدينة ذات إمكانيات بشرية هائلة وموقع استراتيجي قريب من أهم الأوراش الوطنية (الفوسفاط، الطريق السيار، الخط السككي الجديد). ينبغي استثمار هذه المعطيات لخلق منظومة تشغيل محلية مستدامة عبر:
إنشاء منطقة صناعية خفيفة ومتوسطة مخصصة للمقاولات الصغرى في مجالات الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستيكية.
دعم مبادرات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني (تعاونيات نسائية، مقاولات شبابية، إنتاج محلي).
إحداث مركز للتوجيه والتشغيل لتأطير الشباب وربطهم بالمقاولات والفرص المتاحة.
ثانيًا: في محور الخدمات الاجتماعية الأساسية

لا يمكن الحديث عن تنمية دون تعليم جيد وصحة لائقة ونقل محترم. المطلوب هو:
تعزيز الشراكات بين الجماعات الترابية وقطاع التعليم لإنشاء مؤسسات حديثة ومدارس جماعاتية نموذجية.
إحداث مركز صحي حضري من المستوى الثاني وتجهيز المستشفى المحلي بطواقم متخصصة وتقنيات حديثة.
تحسين النقل الحضري وربطه بالمراكز القروية المجاورة لتقليص العزلة المجالية.
ثالثًا: في محور الماء والبيئة
أمام أزمة الماء التي أصبحت تحديًا وطنيًا، يتوجب اعتماد ثقافة ترشيد مائية جديدة تقوم على:
إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة في السقي الحضري.
تشجيع الزراعة الذكية المقتصدة في الماء.
إدماج التربية البيئية في المدارس والحملات الجمعوية.
رابعًا: في مجال التأهيل الترابي والحكامة
التنمية المندمجة تستدعي تنسيقًا حقيقيًا بين مختلف المتدخلين، لذلك يُقترح:
إعداد تصميم تهيئة حضري حديث للعشر سنوات المقبلة يُنظم التوسع العمراني ويُراعي العدالة المجالية.
إحداث مرصد محلي للتنمية الترابية يتولى تتبع المؤشرات وتقييم أثر البرامج.
إشراك المجتمع المدني في اللجان المحلية كفاعل اقتراحي ورقابي لا كشاهد صامت.

خامسًا: في البعد الثقافي والاجتماعي
لا تنمية بدون ثقافة، ولا استقرار بدون هوية. من هنا، يجب دعم المبادرات الثقافية والفنية والرياضية، باعتبارها رافعة للانتماء والمواطنة، وإعادة الاعتبار للفضاءات الشبابية والمكتبات والمراكز الثقافية.
خاتمة
إنّ رهان المرحلة ليس فقط إعداد برامج جديدة، بل تغيير طريقة التفكير في التنمية: من مقاربة تقنية إلى رؤية إنسانية ومجالية متكاملة. فالمواطن ليس موضوع التنمية بل شريكها الأول، والإدارات ليست منفذة بل حاضنة للمبادرات.
وادي زم قادرة، بإرادة جماعية صادقة، أن تتحول من مدينة الانتظار إلى مدينة المبادرة والأمل، متى ما اجتمع الصدق في النية والوضوح في الرؤية والإنصاف في الممارسة.
عبد العزيز برعود
