وحدتنا الوطنية ووهم الانفصال
جريدة أرض بلادي .الحسين أيوسف
كل دولة ذات سيادة من حقها أن تدافع عن وحدتها الوطنية، كما عليها احترام وحدة وسيادة أراضي الدول الأخرى وعدم التدخل في شأنها الداخلي. وكل تصرف خارج هذه الأعراف الدولية، يفضي إلى مبدأ الرد بالمثل. كما يشير لذلك المفهوم العام للمعاملة بالمثل في إطار القانون الدولي الذي يتم تعريفه: ـ بكونه تصرف الشخص الدولي بحسب ما يلقاه من الطرف الآخرـ. أي مقابلة الخير بالخير والإساءة بالإساءة والبادئ أظلم. ففي حالة صدور تصرف غير ودي عادة ما يقابل هذا التصرف بتصرف غير ودي على أساس المبدأ ذاته في أوجهه السلبية والإيجابية.
وعندما تقرر أي دولة تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، فإنها تهدف من وراء ذلك تحقيق نوع من التكافؤ أو التوازن بين ما لها من حقوق وما عليها من التزامات بما تقتضيه الأعراف والقوانين. وكما يشمل مبدأ المعاملة بالمثل على أنماط الخير والمحبة كذلك يشمل العنف والسوء، أي في حال صدور تصرفٍ غير ودي عادة ما يقابل بتصرف غير ودي مماثل أو مشابه.
فلمذا يتفادى المغاربة تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل مع الجارة الجزائر؟
رغم أن النظام العسكري الجزائري لا يتوانى لحظة في حبك المؤامرات والإساءة للمغرب، سرا وعلنا وفي كل المناسبات والمحافل الدولية، ويدعم انفصال الصحراء عن الوطن منذ 46 سنة ضدا في الوحدة الوطنية، ضاربا على عرض الحائط علاقات الدم والجوار، ومتناسيا ما قدمه المغاربة من دعم وتضحيات في سبيل استقلال الجزائر. ورغم كل الإتفاقيات الموقعة من طرف القادة، على سبيل المثال لا الحصر، إتفاقية ترسيم الحدود سنة 1972 في عهد الرئيس بومدين، والذي تعهد كذلك بأن يدعم المغرب في تحرير صحرائه من الإحتلال الإسباني. إلا أن الواقع يفضح دائما ما يضمره هذا النظام العسكري من عداوة وحقد لا مبرر له على ما ينعم به بلدنا من سلم وطمأنينة واستقرار وتنمية.
مقابل كل هذا تبقى الدولة المغربية متشبثتا بقيم حسن الجوار والأخوة، وتجامل الدولة الجزائرية طمعا في أن ترد المجاملة يوما ما بمجاملة مشابهة، ولما لا بأحسن منها، كمظهر للعلاقة السليمة بين بلدين جارين.
لكن شيئ من هذا القبيل لم يحصل. ومادام النظام الجزائري يتمادى في دعم الإنفصاليين في قضية وحدتنا الترابية، ويدعم أطروحة اقتطاع جزء من صحرائنا، أليس من حقنا أن ندافع عن وحدة وسيادة أراضينا على جميع الأصعدة والمستويات وبشتى الوسائل المشروعة، كما من حقنا أن نرد بالمثل؟. فماذا لو تبنى المغاربة دعم انفصال منطقة القبايل عن الجزائر على سبيل المثال في حالة استمرار النظام الجزائري في دعم النزعة الانفصالية عن المغرب؟ أليست وحدة الجزائر على المحك؟.
إن دعم البوليساريو من طرف العسكر الجزائري ليس تهديدا لوحدتنا الوطنية فحسب، بل هو خطوة غير محسوبة العواقب، وتهديد للوحدة الجزائرية قبل كل شيئ، لأن وحدة الجزائر منطلقها رزانة حكامها وعدم دعم حركة انفصالية في البلد الجار أو في أي بلد كان، لأن الحال يقتضي احترام وحدة وسيادة أراضي كل بلد. وكما نحب لأنفسنا الخير علينا أن نحبه لغيرنا .وأي تصرف غير هذا، يكون النظام العسكري الجزائري بذلك يتحمل المسؤولية كاملة في تهديده للوحدة الوطنية الجزائرية في قضية انفصال منطقة القبايل، وذلك بدعمه للانفصال في دولة مجاورة بذريعة حق الشعوب في تقرير المصير.
ففي وقت يدعي فيه نظام العسكر أن القواعد الدبلوماسية لبلاده تتمثل أساساً في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام قواعد حسن الجوار، ينبري في كل المناسبات بدعم نزعة انفصال الصحراء وتغذية الصراع وزعزعة استقرار المنطقة على حساب مصلحة الشعوب المغاربية برمتها، وتفويت فرص تنميتها. هذه الدبلوماسية التائهة تاريخيا بمواقفها المتناقضة منذ استقلال الجزائر مباشرة، حين تم تكليفها بخلق بؤر توتر بمحيطنا، وكانت أولى خطواتها الفاشلة في تبني حركة استقلال جزر الكناري سنة 1964، فوفرت لهذه الحركة المقرات والدعم المادي والمعنوي بل أنشأت محطة إذاعية فوق ترابها تحرض سكان الجزر على الثورة ضد الحكومة الإسبانية. وكانت ترمي بذلك خلق كيان على الشواطئ المغربية موال لها لمحاصرة المغرب من المحيط الأطلسي، حيث كانت دائما تسعى إلى الحصول على منفذ إليه عبر التراب الوطني المغربي، وكذلك لقطع الطريق على مطالبة المغرب لهذه الجزر. لكن هذه المناورة باءت بالفشل وخابت أحلام الطغمة العسكرية بمنح الحكم الذاتي لجزر الكناري سنة 1982 من طرف إسبانيا، وتحولت الحركة الانفصالية الكنارية إلى حزب سياسي، وتبخرت أحلام العسكر.
من خلال هذا، يبدو جليا أن الجزائر كانت، منذ بداية السبعينات، تبحث ليس فقط عن إنشاء دويلة بيدق بالصحراء المغربية للوصول إلى المحيط الأطلسي، على حساب الوحدة الترابية للمملكة المغربية، بل أيضا كانت تود أن تدجن حركة الانفصال الكنارية وتستعملها لتبسط نفوذها على جزر الكناري في أفق خلق دويلة في الجنوب، ليس ضدا على الوحدة الترابية للمملكة الاسبانية فحسب، بل وخدمة لأجندة الدول الإمبريالية.
أما المملكة المغربية فقد كانت ومازالت منسجمة في قراراتها الدبلوماسية منذ أن اعترضت بالقمة الافريقية المنعقدة بليبيا سنة 1978 على قرار دعم هاته الحركة الانفصالية الكنارية، القرار الذي كان من ورائه دولتي ليبيا والجزائر. والذي ينم عن غباء الأنظمة التي كرست جهدا فارغا ولسنين طوال وصرفت أموالا طائلة على قضية خاسرة، غباء أوقعهم في شر أعمالهم.
إن عرابة وداعمة جماعة “البوليساريو” الانفصالية المسلحة، بشأن النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية لم تستوعب بعد أن النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية انتهى بنهاية الاستعمار عبر مراحل بالمملكة المغربية، حين استعاد المغرب طرفاية عام 1958 وسيدي إفني عام 1969 والساقية الحمراء ووادي الذهب عام 1975.
وأمام عدم إلمامها بتاريخ تصفية الإستعمار بالمغرب، وعدم تقديرها لخطورة مشكل القبايل، أضحت غير قادرة على إنتاج موقف سياسي جريئ وصريح يضع حدا للأزمة التي أضرت بها داخليا وخارجيا، وتتمادى في غيها بالرغم من كونها الطرف الرئيسي في هذا النزاع، برفضها المشاركة في مسلسل الموائد المستديرة. وهذه المواقف المتناقضة تضع النظام الجزائري في ورطة سياسية حقيقية تجاه المنتظم الأممي، ويؤكد بالملموس أن ليس لديه ما يقدمه من حلول في مشكل افتعله ولم يعرف الخروج منه، كما سيعري نفاقهم ومسؤوليتهم في التغرير ببعض الصحراويين المغاربة، العالقين في مخيمات العار في ظروف غير إنسانية.
في حين تبقى مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية هو الحل الجاد وذو مصداقية لهذا النزاع المفتعل تحظى بدعم دولي متزايد، يزيد من عزلة الجزائر وحصاد الخيبات، كما هو الشأن لدعمها حركة انفصال جزر الكناري سابقا. أما المغاربة فهم في صحرائهم والصحراء في مغربها، ومن يزرع الريح يحصد الأشواك.