إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

في البداية دعونا نطرح هذا السؤال الساذج : ما هي الأخلاق؟ وقد يبدو الجواب سهلاً أو تحصيل حاصل أو معروفاً للجميع. باعتبار أن الأخلاق هي ألا تسرق، ألا تكذب، ألا تمارس الفاحشة ما ظهر منها وما بطن إلخ… ولكن هل حقاً الأمور بدهية إلى هذا الحد؟ فليس الامر حصري أن لا تسرق لأنك تخشى أن يمسكوك بالجرم المشهود. وتغش وتكذب لذات السبب ولا تخف وانت تمارس كل هذه الموبقات، وحتى لو نفترض أنك تمتلك طاقية الإخفاء التي تمكّنك من التواري عن الأنظار ما إن تضعها على رأسك حتى تظل أخلاقياً بعدها، وانت تسرق والسرقة متنوعة الأطوار وبعدها تقول بعضل لسانك هذا من فضل ربي وتنسى ان الله يراك فلا تخشاه وتخشى عقوبة الدنيا ولا تخاف عاقبة الآخرة، خاصة انك تجاوزت مرحلة المراهقة والكهولة بسنوات ضوئية ووصلت الي سن الشيخوخة ووهن عظمك واشتعل رأسك ووجك شيبا، فأصبحت مسألة الأخلاق عندك مع الاسف أكثر تعقيداً مما يظن فيك ناظرك خاصة حين يسمع كلامك المعسول ويرى وجوك الشاحب المذبول ويستحيى من بياض شعرك الذي غطى وجهك ورأسك، فيتغير وجهك بسبب الحذر والحيطة من مخافة أن تنكشف حقيقتك أمام الآخرين وتفقد هيبتك المصطنعة وتتشوه سمعتك الحقيقية أمام الناس الغير عالمين بامرك وأمام اقربائك العارفين بك، هذا وناهيك عن الحساب والعقاب الذي ينتظرك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لأن الأخلاق هي أن تمارس الفضيلة حباً فيها لا خوفاً منها رجاء في الثواب ورعباً من العقاب. وهذا مع الاسف يقع في بلدان تدعي الإسلام منهجا وعقيدة أما في العالم المتقدم الناس هناك لا يسرقون ولا يكذبون ولا يُخلفون في المواعيد لأن ضميرهم يقف فوق رأسهم رقيباً عليهم، ليسوا بحاجة إلى شرطة ولا درك يقف فوق رأسهم لكي يقوموا بواجبهم. لان ضميرهم يكفي ليحاسبهم. هم الشرطة وهم الدرك. هكذا يكون التعريف الحقيقي بالأخلاق. فالإنسان الأخلاقي هو الإنسان الذي يكون ضميره هو الشرطي والدركي الوحيد الذي يقف فوق رأسه بالإضافة إلى الصورة الراقية والمحترمة التي يشكّلها عن نفسه احتراما وتقديرا لها وعليها، ففي البلدان المتقدمة لا أحد يقطع الشارع والإشارة حمراء احترام للقانون والنظام وذلك من صميم الأخلاق الحضارية، وعلى الرغم من أنهم غير متدينين بدين الإسلام ولا يعرفونه وأغلبيتهم لا يمارسون الطقوس والشعائر الدينية السمحاء ولكن لا يغشّون ولا يكذبون ولا يخونون الأمانة ولا يُخلّون بواجبهم في العمل. جميعهم يعدّون العمل شيئاً مقدساً ينبغي أن يؤدونه على أفضل واحسن وجه ممكن، فالعامل في العمل والفلاح في الحقل والنظاف في الشارع والرئيس في هرم السلطة والمعلّم في المدرسة والطبيب في المستشفى والمهندس في البناء والمحامي مع موكليه والقاضي في المحكمة والوزير في الحكومة … إلخ، كلهم يجب أن يعدّون الإخلال بالواجب والمواعيد عاراً أو نقيصة شنيعة. ونحن مع الاسف نطمع في حق الآخر ونكذب وننافق ونحن نعلم انه هو على حق ونحن على باطل فننزع منه ذلك الحق كرها ونعتبره هو الظالم ونحن المظلومين ونزكي أنفسنا ظلما وعدوانا بالباطل ونمكر في الأرض والله يمكر السماء وننسى ان ورائنا يوم ثقيل وحساب عسير فلا نعتبر ولا نعير ادنى اهتمام لمكرنا وخداعنا وتفاهتنا.
بقلم : نجيب عبدالعزيز منتاك
عن جريدة النهضة الدولية فرع إقليم صفرو