جريدة أرض بلادي-عابدين الرزكي
شعارات الإعلام غالبا ما تكون عناوين عريضة وشعارات براقة، تأخذ بعقول وقلوب المتلقي نحو التضليل والتحليل العميق في محاولة للتأثير على الجمهور ونشر الإشاعات لصناعة بضاعة إعلامية وفكرية معلبة وجاهزة.
فمن لا زال يبحث عن الحقيقة في بعض وسائل الإعلام سمعية كانت أو بصرية كمن يبحث عن إبرة وسط البحر، فوسائل الإعلام تقوم بصنع الأزمات وتأجيجها وتهدئة الأوضاع وسط صراع المصالح السياسية والإقتصادية، وأصبح الكل يتسابق حول السبق الصحافي والخبر العاجل، دون العلم بمدى صحته أو إشاعته مما قد يؤثر على الفرد والمجتمع، فالأحداث التي تراها الدولة في صالحها تسخر لها فيلقا إعلاميا وخلايا متنوعة لخدمة حدث معين وتسويقة بالشكل الذي تراه مناسبا.، إما عن طريق التعتيم والتمييع والإهمال ﻭﻓﺒﺮكة الأحداث ﺿﻤﻦ أﺳﺎﻟﻴﺐ تدليسية وغبنية دون احترام حقوق الجمهور المتلقي.
ويعتبر التضليل الإعلامي أحد أساليب الدعاية والحرب النفسية وجزء من الحرب الإعلامية، كونه يتميز إما بنشر وبث معلومات معينة أو زرع أفكار مغلوطة عن عمد لخلق واقع مزيف ومغلوط لتوجيه الرأي والتحكم في العقول، فالتضليل هو اقوى ألأسلحة النفسية والإعلامية، إذ يعتبر التضليل ألية لتدبير اي ازمة سياسية او اقتصادية تسعى الدولة إما لتمريرها أو إخفاء معالمها، وغالبا ما يسخر التضليل عن طريق أقلام مأجورة، إما لشن حملات دعائية منظمة بالتوقيت والمدة والاستهداف واستخدام وسائل التشويه والتشويش والتضليل بشكل واسع لتضليل الرأي العام عن واقعة هامة أو تمرير قواعد تخدم أجندات سياسية وحكومية.
ويتخد هذا التضليل أشكالا متنوعا فقد يتم التعثيم عن خبر ما وتضليله خاصة إذا ما تعلق الأمر بخبر سياسي هام، فعادة ما يتم طمس الأخبار دون إخراجها للعموم او تأجيلها وفق الظروف التي تراها الجهة المظلة مناسبة لها، أو تغيير مجرى أحداث وضربها بأحداث تافهة أخرى وهذا في حد ذاته تضليلا أيضا، أو ترويج أخبار زائفة وصناعة أحداث لا أساس لها من الصحة، ومن أساليب التضليل الكذب، الخداع، الاشاعة والتشويش.
إن من يتابع الإعلام بشكل عام خاصة في السنوات الأخيرة، بمختلف جوانبه سواءا كانت تقليدية أو معاصرة، يجد في بعض الأحيان تناقضا كبيرا وتفاوتا إعلاميا في نقل الحدث، فحتى التطور المعلوماتي وجودة الأليات التقنية زادت من إمكانية التضليل في نقل الخبر، مما فرض على الجمهور والمتلقي التدقيق في صحة المعلومة وفرزها، إن كان يسعى لمعرفة الحقيقة والوصول اليها، والبحث والتساؤل والشك حول كل ما يصله، والخطير في الأمر أنه حتى الشكوى لا تنفع في مقارعة التضليل وحجب المعلومة الزائفة اوإخفائها وتصحيحها أمام تضاربها وتعدد مصادرها الإعلامية .
إن هذا التطور المعلوماتي وتنوع وسائل الإتصال ساهم بشكل كبير في زيادة حدة تضليل الرأي العام، فتطور أدوات الاتصال والتوثيق زاد أيضا من فرصة التلاعب بالأحداث، فالجميع اصبح يملك هواتفا نقالة وكاميرات متطورة جعلت من الإنسان العادي وليس فقط الصحفي محطة صناعة الخبر وتحريك الرأي العام عبر مقطع فيديو أو صور تساعد في الخداع، سواء عبر التضليل بفبركة الصور أو نقل جزء من مشهد معين لتضليل المتلقي، كما عززت مواقع التواصل الإجتماعي بأجود أشكال التضليل والإشاعات الكاذبة وزادت من حدة انتشار الأخبار المزيفة ومشاركتها، كما تم تجنيد هذه المواقع بخلايا خاصة مهمتها نشر المعلومة الخاطئة بأوامر من جهة معينة.
إن من يسعى للموضوعية والنزاهة كمن يسعى للمستحيل، فالحيادية أصبحت في متحف التاريخ، إنما هي أحداث وقصص تنسج من الخيال لمصالح متعددة أو تعتيم إعلامي لقضايا معينة تحمل بين طياتها إعلاما أصفرا، فلا الإعلام أصبح حراً، ولا الكلمة أصبحت حقيقة، إنما هي أحداث وقصص تنسج لتضليل المجتمعات.
عن نائب الاول لرئيس مجلس الجماعي بطنطان