جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-
في الآونة الأخيرة ظهرت عدة جوائز تحتفي بالإبداع والمبدعين، لكن هناك من ينظر إليها بتوجس، باعتبار أنها قد تساهم في رواج جنس ادبي اكثر من آخر، وقد تؤدي إلى الاستعجال في الكتابة، من أجل الظفر بالجائزة والتضحية بالتريث والعمق اللذين تتطلبهما الكتابة الأدببة، كما أنها قد لا تخدم تطور الأدب عموما، فتؤدي إلى النكوص نحو القصيدة التقليدية على حساب القصيدة المعاصرة مثلا، فضلا عن الحسابات السياسية التي لا يمكن إسقاطها من البال.
لمعرفة آراء بعص المبدعين في الموضوع، طرحنا عليهم السؤالين التالين:
-هل ساهمت الجوائز الأدبية في ازدهار الأدب؟ أم كانت وبالا عليه؟
وقد جاءت الأجوبة متعددة ومتنوعة حسب وجهة نظر كل مبدع وتصوره، فاعتقد عثمان الدحماني أن الجوائز الأدبية نفضت الغبار عن الأدب وأعطت حافزية إضافية للأديب من أجل إخراج مشاريعه للعموم، وساهمت بشكل كبير في خلق رواج ثقافي تكثر فيه النقاشات وتبادل الرأي والرأي الآخر، الأدب والأدب الآخر وذلك يخدم الأدب أكثر وأكثر لأنه عندما تكثر المقارنة يبدأ التمحيص ويسمح ذلك للتمييز الجيد من الرث وكلما كانت الوفرة كلما سمح ذلك بظهور نصوص جيدة أكثر وأكثر فعشر نصوص يمكن أن تفرز نصا واحدا جيدا أما مئة تفرز عشرة على الأقل وهكذا ذواليك لذلك لا أرى ذلك سلبيا بل على العكس هي ظاهرة صحية على الأقل تجعل كلمة الأدب هي العليا وتجعلها نبتعد عن التفاهة والتافهين ولو قليلا، بينما رأت الشاعرة فضيلة دعاس أن الجوائز محفزا ودافعا للإبداع أكثر ،تبعث ثقة بالنفس وبما كتبه الكاتب و بأي هيئة كان ، وهنا يجب أن تكون الغربلة من لجنة تربعت على الإختيارات وعلى تصفح الكلمة الرائدة ذات عمق ومعنى ، فنثور بالأدب ولا نطمس وجوده ونشهر به بتحفيز الأقلام المبدعة وتشجيعها طبعا بتكريمها في المهرجنات والمسابقات والملتقيات .
فيما اعتبرت القاصة فاطمة موسى وجى منح الجوائز هو تحفيز وتشجيع يحث على البذل والعطاء، ولنقل أنها نوع من الإشراط الإجرائي الذي اكتشفه سكينر في حقل تجاربه، وهي إلى حد ما محمودة، إذا خدمت بحق الغرض منها، فتساعد على الارتقاء بالأدب وترفع من قيمة وجودة المنتوج الأدبي، ولا أقصد هنا الكم بل النوع والكيف فقط. أما مسألة التنافس من أجل الجوائز بحد ذاتها، مع إغفال المادة الأدبية الخام، فهذا فعل لا يصدر إلا من المتطفلين فقط، أولاء الذين لا تهمهم إلا الألقاب والتسميات والماديات. ولي اليقين أن من يرقى إلى مستوى الأديب، الذي تبنى مبادئ الصدق والنزاهة، وكانت قناعاته الفكرية متجانسة ومنسجمة ورسالة الأدب النبيلة، فلن يكترث لجائزة أو وسام. ولعل الأديب الحق، لايرى في الجائزة تشريفا له بقر ما يراها تكليفا، ليعطي أكثر فأكثر.
ولأن الجوائز يمكن أن تنقلب إلى سيف ذي حدين فتغلب جنسا أدبيا على حساب أجناس أخرى، أو تقحم أعمالا تسيء إلى الأدب أكثر مما تفيده، يجب الاهتمام بسن قواعد مضبوطة وشروط أساسية لتقييم وتثمين المنتجات الأدبية بحيث يعتمد عليها وتكون مرجعا في منح الجوائز، وبهذا تكون هذه الأخيرة تحفيزا وإثراء للأدب.
بينما ركز الأستاذ محمد لطفي على ضرورة الاهتمام بقضية الجوائز ويجب تكريسها والدفاع عنها والارتقاء بها سعيا إلى تنمية الادب وفنونه وكذلك الرقي وتنمية قدرات ومؤهلات الادباء والفنانين.عبر ومن خلال التحصل على الجوائز كيف ما كانت قيمتها المادية و المعنوية المحفزة طبعا. ومسألة تغليب وسيادة جنس او فن أدبي على آخر، ارى انه لا باس في هاته المقاربة. لان فضل التحفيز يعود في الاصل الى خدمة الادب والادباء . كما ان تدبير عملية التحفيز تحتاج الى حكامة جيدة في تدبير الشأن الادبي، من أطر متخصصة في النقد الادبي والفني والفكري. تتصف بالموضوعية والدراية العميقة في نهج اسلوب نهج الحكامة الجيدة في تدبير الشان الادبي تعتمد الشفافية والموضوعية والنزاهة في التدبير . بدءا من التشخيص وابراز مكامن القوة والضعف في سائر اوضاع الفنون والالوان الادبية. دراسة الوضع بطريقة علمية وعقلانية. تليها مرحلة التتبع والمواكبة وبعدها مرحلة التقييم النقدي الموضوعي المجرد عن الخلفية السياسية الضيقة المجردة عن المحاباة والمجاملات. من اجل اعتماد التحفيز الهادف والمتوازن الرامي خدمة الادب وفنونه واجناسه وكذلك خدمة المبدعين والمبدعات في مجالات الادب .اتمنى لكم التوفيق والسداد.
أما الناقدة خديجة الحنافي فاعتبرت أنه مخطئ من يظن أن التحفيز والتشجيع يثبط الإبداع والابتكار ،بالعكس يوقد الهمم ويحفز الذاكرة ويذر العطاء،فالحوافز والجوائز ما إلا هبات من الريح تساعد بين الفينة والأخرى على توهج الجمر لإكمال نضجه.ولا يمكن أن يكتمل هذا النضج إلا بالاتقان حتى يتأتى له أن يتقلى من المتلقين الاستحسان.
فيما اعتبر الأستاذ الطيب تشرين أن الجوائز مفيدة ، ولكن يجب أن تذهب لمن يستحقها، فهي مكافأة وتشجيع للمبدع الذي يحصل عليها، ليضاعف من مجهوده ويقدم الأجود دائما. ما يؤسف له في عصرنا الحالي هو كثرة الجوائز ذات التوجهات الإيديولوجية الكثيرة، فمثلا الهيئة أو المؤسسة التي تمنح هذه الجائزة غالبا ما تراعي مصالحها وأهدافها وتوجهاتها.. ولا تمنح جائزتها إلا لمن ترى فيهم خدام مطيعون لها، ويسيرون في نفس منهجها وتوجهها، ومثل هذه الهيئات والمؤسسات لا يهمها ابداع الكاتب من عدمه، بقدر ما يهمها خدمة مصالحها وأهدافها كما قلنا . ولعل الأمثلة كثيرة لكتاب عالميون كثيرون رفضوا الجائزة، وحتى وإن كانت جائزة عريقة ومرموقة كجائزة نوبل للآداب.. خصوصا إذا ما عرفوا أن هذه الجائزة مسيسة، وتلطخ سمعتهم أكثر ما تلمعها .