جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-ومع
دعا الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، إلى اعتماد مقاربة علمية ومكاشفة صريحة لمعيقات الإفراج المقيد، موردا أمثلة دول قال إنها تحرص على تفعيل الإفراج المقيد بشروط بشكل مكثف.
ولم يخف الداكي، ضمن كلمة له في ندوة علمية حول موضوع “الإفراج المقيد بشروط بين متطلبات التفعيل وتحديات توسيع فرص الإفراج وإعادة الإدماج”، يوم الاثنين 27 ماي 2024، قلقه الأرقام الأخيرة التي كشفت عنها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والتي تشير إلى أن عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط لم يتجاوز 408 مستفيدين منذ سنة 2019 إلى غاية سنة 2023، أي بنسبة 5.8 بالمئة من مجموع الملفات المحالة من طرف المندوبية على مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، والبالغ مجموعها 6972 ملفا.
ولفت الداكي إلى أن دولا تحرص على تفعيل الإفراج المقيد بشروط بشكل مكثف، إذ أشار إلى أن عدد المستفيدين منه بكل من إسبانيا وفرنسا على سبيل المثال يصل إلى حوالي 8000 مستفيد سنويا، وإلى 18000 مستفيد في السنة بكندا.
وتساءل حول الأسباب التي تحول دون الرفع من عدد المستفيدين من الإفراج المقيد بشروط بمؤسساتنا السجنية :” هل هي أسباب مرتبطة بقلة الملفات المقترحة؟ أم بشخصية المدانين وخطورة الأفعال المحكوم عليهم من أجلها أو بنظرة المجتمع إلى هؤلاء وعدم تقبله الإفراج عنهم قبل انتهاء مدة عقوبتهم؟ أم بأسباب لها علاقة بالشروط المنصوص عليها في المنظومة القانونية ذات الصلة، والتي قد تتمثل في صعوبة توفير الوثائق المتصلة بتملك المعني بمقترح الإفراج لوسائل شخصية للعيش أو لمهنة ذات دخل قار؟ أو لتعذر توفير شهادة إيواء أو شهادة من مشغل يلتزم بتشغيل المعتقل بمجرد الإفراج عنه تحت طائلة رفض الطلب؟”
وتابع متسائلا “ثم هل من الضروري التساؤل أيضا بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطات المعنية في هذا الصدد من خلال إبداء رأيها في المقترح وتوفير سبل احتضان المعني بالأمر بعد الإفراج عنه متى كان ذلك متاحا؟”.
وخلص إلى أن “واقع الحال يقتضي إيجاد أجوبة عن هذه التساؤلات وما يمكن أن يطرح غيرها والتي قد تشكل عائقا لاعتماد مثل هذه الآلية القانونية لتيسير إعادة إدماج بعض النزلاء متى توفرت شروط ذلك”.
وأبرز الداكي في كلمته أن البعض يرى أن الإفراج عن المعتقلين قبل موعد انتهاء مدة عقوبتهم السالبة للحرية عامل أساسي في التقليص من عددهم، وبالتالي التخفيف من حدة الاكتظاظ الذي تعاني منه المؤسسات السجنية كنتيجة حتمية.
وأكد على أنه”ما لا يجب إغفاله أن الآليات القانونية التي أتاحها المشرع، والتي تخول إمكانية انقضاء العقوبة السالبة للحرية قبل تمام مدتها لا يجب أن تختزل أهميتها في التخفيف من اكتظاظ السجون، بقدر ما يجب اعتبار واستحضار ما تكتنفه من حمولة إصلاحية تكرس تثمين مسار السجناء المدانين الذين انخرطوا بجدية في برامج الإصلاح والتأهيل، وأبانوا عن حسن سلوكهم والتزامهم بالضوابط القانونية والتنظيمية التي تؤطر تواجدهم داخل الفضاءات السجنية”.
وذكر بأن المشرع المغربي أقر مجموعة من الآليات القانونية التي تخول إمكانية الإفراج عن السجين قبل انقضاء مدة العقوبة السالبة للحرية المدان من أجلها، وأحاطه بشروط توازي بين فلسفة الإصلاح والتأهيل والتحفيز من خلال وجوب استقامته وحسن سيرته وبين متطلبات الردع الذاتي واستشعار الخطأ المرتكب اتجاه النفس والضحية والمجتمع عبر وجوب قضائه لجزء من مدة العقوبة المحكوم بها عليه.
وأشار إلى أن الجهود المبذولة من طرف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، ومن طرف الشركاء المعنيين بتنفيذ الاختصاصات المخولة لها، سواء على مستوى تأهيل المؤسسات السجنية بنيويا ولوجستيكيا، أوعلى مستوى إعداد وتنفيذ برامج إصلاحية لفائدة السجناء، “تجسد إرادة فعلية في تأهيل السجناء وفق مقومات تنأى بهم عن العود إلى الارتماء في أحضان الجريمة من جديد، وتتيح لهم تملك كفايات تربوية تؤهلهم للتعايش في المجتمع بما يكفل الانضباط للقواعد المنظمة للحياة العامة والاندماج الفعلي والسليم”.
واعتبر أنه من المنطقي أن تواكب هذه الجهود جهود موازية تمكن من تفريد العقوبة على مستوى التنفيذ، من خلال فسح المجال أمام كل سجين أبان عن حسن سيرته ونال شهادة في مجال التعليم والتربية غير النظامية أو في مجال التكوين المهني أو في غيرها من مجالات التربية والتأهيل وقضى جزئيا فترة العقوبة المنصوص عليها ضمن مقتضيات قانونية حصرية من معانقة الحرية قبل موعد انتهاء محكوميته تكريسا لجدوى هذه البرامج ولمصداقية المؤسسات السجنية كمؤسسات إصلاحية تربوية، وإنصافا لما بذله من جهد وانضباط خلال فترة اعتقاله.
وقال إن رئاسة النيابة العامة، واستحضارا منها لأهمية الموضوع، تؤكد “عزمها التام على مواكبة قضاة النيابة العامة لتفعيل مختلف أدوارها المحددة قانونا في سبيل الدفع قدما لإعمال آلية الإفراج المقيد بشروط، سواء ما يرتبط بالحرص على تجهيز الملفات في آجال معقولة بهدف رفعها إلى وزارة العدل ذات الاختصاص في هذا المجال، أو من خلال مواكبة مدى تقيد المفرج عنهم بالضوابط القانونية التي تحكم الإفراج عنهم، والتدخل عند الاقتضاء كلما عمدوا إلى خرق تلك الضوابط بإعادة كل من يخالفها أو يتجاوزها إلى المؤسسة السجنية لقضاء ما تبقى من عقوبته قبل الإفراج عنه وفق المحددات القانونية في هذا الإطار”.