بغال وزارة الصحة

جريدة أرض بلادي_الدار البيضاء_
الدكتور عبد العزيز حنون_
طبيب صحة وقائية – إعلامي _
كنت في مقال سابق تحدثت عن طائرات وزارة الصحة التي لا تطير نهارا إلا إذا كان الجو على أحسن ما يرام ، يعني بلا رياح ولا ضباب ولا غيوم ولا شتاء. كما أنها لا تطير نهائيا في الظلام يعني رحم الله من احتاجها ليلا . وهذا يعني أنها لا تصل في كثير من الأحيان في الوقت الذي نريد والأمكنة المعقدة كأعالي الجبال. كما تحدثنا عن الدور الحيوي الذي يقوم به بعض “الخطافا” وأنه لو قادتك الظروف إلى المغرب العميق لما وجدت سوى عربات متهالكة و ما عليك إلا أن تركب بجانب الخراف والتيوس وأن تصبر على ضعف تربيتها والتي ربما بل من المؤكد قد ترشك ببولها. تلك العربات أنقذت الكثير من الحوامل من الموت لتأتي وزارة الصحة وتحسب ذلك من ضمن إنجازاتها. خدمات إسعافية جد استعجالية في ثلث الليل الأخير حيث لا دابة تسر ولا طائرة وزارة الصحة تطير يقدمها “الخطافا ” أو مايسميهم البعض “بالعتاقا”، وفعلا هم عتاقا.
في سابق عهد وزارة الصحة كان من ضمن أسطولها المتهالك ، الذي يضم سيارات الإسعاف والدراجات النارية، كانت هناك بغال . بغال لها أرقام مسجلة وتحتاج للعلف كما تحتاج سيارات الإسعاف للوقود مع الخصاص الدائم . كانت البغال تحمل صفيحة تابثة في الرجل بها رقم يراقبه المراقبون وقتئد كما يراقب مجلس الحسابات تجهيزات مؤسسات الدولة.
كان الممرض المسؤول يجد صعوبة في توفير العلف كما هي الآن نفس الصعوبة في توفير الوقود لسيارات الإسعاف لنقل المرضى. ويبقى ذلك الحيوان تحت رحمة وأريحية كل شخص . فإما كرم يليق بالبهائم وإما جوع وعذاب . عندما تنتهي صلاحية سيارة الإسعاف تركن في ناحية ما في المستوصف في انتظار الريفورم ، لكن عندما ينتهي أجل البغل فعليك الاحتفاظ بالصفيحة المعدنية لتقدمها عند كل مراقبة كدليل على موت البغل . كم من البغال تم بيعها و وضعت الصفيحة رهن إشارة كل مراقبة. قصص كثيرة ومثيرة للسخرية من هذا القبيل.
بقي سؤال مهم هل استغنينا عن البغال ؟ أعتقد أن البغال في أماكن محددة في بلدنا الحبيب لن يستغني عنها لا طبيب ولا ممرض ولا رجل تعليم حيث لا وسيلة ميكانية زاحفة أو طائرة تصل إليها. لكن فقط وزارة الصحة استغنت عن أسطول حميرها لتكتفي بأريحية سكان الدواوير النائية ليحملوا الخدمات على ظهور بغالهم إن هم أرادوا تدريس و تلقيح أبنائهم .