جرادة… المدينة التي لفظها الفحم وأحرق شبابها الانتظار

جريدة أرض بلادي ✍️: الإعلامية ايت علي اكرام

في أقصى شرق المغرب، ترقد مدينة جرادة على رماد مناجمها المغلقة، مدينةٌ كانت يومًا قلبًا نابضًا للفحم الحجري، قبل أن تتحول إلى رمز للتهميش والإهمال. منذ إغلاق شركة “مفاحم المغرب” في التسعينيات، دخلت جرادة في نفق مظلم من البطالة والفقر. ورغم كل الوعود التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة لتعويض اقتصاد الفحم، لم تُنفذ المشاريع البديلة المنتظرة، أو لم تكن في مستوى انتظارات الساكنة، ما جعل الوضع يتفاقم أكثر فأكثر.

 

اليوم، تعاني المدينة من شلل اقتصادي شبه كامل، فلا مصانع ولا استثمارات حقيقية، ولا حتى بنيات تحتية قادرة على خلق الحد الأدنى من الدينامية. أما الشباب، فرغم أنهم حاصلون على شهادات جامعية وتقنية، يواجهون واقعًا مأساويًا؛ لا شغل، لا أفق، ولا دعم يُذكر. بطالة قاتلة تدفعهم إلى التفكير في الهجرة، إما نحو المدن الكبرى داخل المغرب، أو عبر البحر في قوارب الموت، بحثًا عن حياة تحفظ كرامتهم.

مظاهر الإقصاء لا تتوقف عند الاقتصاد، بل تشمل أيضًا غياب مرافق التعليم العالي، ومراكز التكوين، والمؤسسات الصحية المتقدمة، وهو ما يُعمق الإحساس الجماعي بأن جرادة مدينة منسية، تُستحضر فقط في المناسبات السياسية أو الانتخابية. أما الاحتجاجات التي اندلعت سنوات 2017–2018، فكانت مجرد صرخة جماعية ضد هذا التهميش، لكنها قوبلت آنذاك بإجراءات أمنية وتجاهل حكومي زاد من فقدان الثقة.

جرادة اليوم لا تحتاج وعودًا جديدة، بل إرادة سياسية صادقة تُعيد الاعتبار لهذه المدينة وساكنتها. تنمية حقيقية تُبنى على العدالة المجالية، وتفتح الأبواب أمام المبادرة والشغل والتعليم. لأن استمرار هذا الوضع، في ظل صمت الدولة، لا يعني سوى أمر واحد: أن المدينة قد تنفجر من جديد، لأن الانتظار الطويل يحرق، تمامًا كما يحرق الفحم… لكن بدون أي دفء.