رصدت دراسة لمركز “كارنيجي للشرق الأوسط” الخلفيات الإيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، باعتباره تنظيما يقدم نفسه على أنه ممثل الإسلام الحقيقي الذي اعتنقته الأجيال الأولى من المسلمين، في حين إنه يستند إلى أكثر التيارات تزمتا في السلفية.
ومن بين أبرز الخلاصات التي خرجت بها الدراسة أن التنظيم لا يقوم على إيديولوجية واحدة هي المسؤولة عن تطرفه، بل إن هذا التطرف نتاج هجين من السلفية العقائدية وتيارات إسلامية أخرى، “ويعتمد تنظيم الدولة الإسلامية على كتابات جهادية لمنظّرين يدعمون موقفه، وأخرى لرجال دين لا يؤيدون التنظيم رسمياً، ويتبنّى رجال الدين هؤلاء مجموعة من الأفكار التي تنحرف كثيرا عن إسلام التيار السائد، كما أن العديد منهم ورثة مباشرون للصحوة الإسلامية، وهي حركة فكرية دينية انطلقت بصورة جدّية في سبعينيات القرن الماضي”.
ورغم أن حركة الصحوة مزجت بين المفاهيم السلفية وبين أفكار ثورية مستوحاة من الإسلام السياسي بالمعنى الواسع، إلا أنها كانت أساساً تيارات متأثّرة بجماعة الإخوان المسلمين، وقد أدى هذا التزاوج إلى حدوث انقسامات أنتجت تيارات دينية جديدة لا يمكن التنبؤ باتّجاهاتها، تضيف الدراسة. ويشكل تنظيم الدولة الإسلامية جزءا من المدارس والأفكار التكفيرية التي خرجت من رحم تنظيم “القاعدة”، غير أن الجمود الإيديولوجي للدولة الإسلامية يبدو بارزا.
وفي السياق ذاته، يروج تنظيم الدولة لإيديولوجية سياسية ولرؤية تصنف وتكفر نظريا سائر المسلمين، كما يبرع “داعش” في تنمية واستغلال الانقسامات الطائفية الحاصلة في الشرق الأوسط، ويستخدم الكراهية الطائفية والمفاهيم الدينية لتجنيد أعضاء جدد وتبرير أفعاله، أو لتعزيز التعاطف معه وتحييد القوى التي تنبذه. وقد أثبت التنظيم أنه قوي، على وجه الخصوص، في المزايدة على تنظيم “القاعدة” في ما يتعلق بتجنيد أعضاء جدد.
وفي الوقت الذي يستخدم فيه التنظيم مؤلّفاتهم لتبرير تكفير المملكة العربية السعودية والحكام المسلمين في أرجاء الشرق الأوسط، ولدعم رفض المؤسّسات والقوى الرسمية، يقدم رجال الدين مبرّرات للوحشية التي يمارسها “داعش”، لاسيما ضد المسلمين الآخرين. كما يورد التنظيم قصصاً تعود إلى بدايات التاريخ الإسلامي لتبرير ممارساته الوحشية أمام المجنّدين الجدد.
ويشكل تنظيم الدولة الإسلامية جزءا من إرث المدارس والأفكار التكفيرية التي خرجت من رحم تنظيم “القاعدة”، لكن مع أن تنظيم الدولة الإسلامية كان مرتبطا في السابق بـ”القاعدة”، إلا أنهما افترقا على المستوى الإيديولوجي. وترجع الخلافات بين تنظيمي “القاعدة” والدولة الإسلامية إلى المواجهات المبكرة بين أسامة بن لادن وأبي مصعب الزرقاوي، واختلفا عندما كانا في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي، كما يحصل اليوم بين خلفائهما حول استخدام العنف المُفرط واستهداف المدنيين الشيعة.
ويرى مؤلف الدراسة أنه يمكن تمييز الابتعاد الإيديولوجي لتنظيم الدولة الإسلامية عن تنظيم “القاعدة” بوضوح من خلال نظرته وأفعاله تجاه رجال الدين والزعماء الدينيين؛ إذ يبرز الجمود الإيديولوجي لـ”داعش” حتى في الميدان الجهادي المعروف بالتزمّت.
وفي ما يخص مسألة التكفير، فإنه في الوقت الذي يصر فيه بعض رجال الدين على أن هناك درجات للكفر، وأن مرتكب الذنب لا يصبح كافرا بالضرورة من خلال ارتكاب أفعال معينة، يرفض تنظيم الدولة عموما مسألة التدرج، ويعتقد بأن جميع أعمال الكفر على قدم المساواة بالفعل. وفي السياق نفسه، يؤمن التنظيم بأن على المسلم واجبا دينيا لتحديد وتسمية الكفار أو المرتدّين، وأن عدم القيام بذلك يمكن أن يجعل المرء نفسه كافرا أو مرتدّا.
ويذهب التنظيم بعيدا في هذه المسألة بالقول إن المسلم يصبح كافرا إذا لم يجاهر بكفر شخص آخر يستحق أن يوصف بأنه كافر، وقد أعلن التنظيم أن الظواهري، زعيم “القاعدة”، كافر لأنه يتعاطف مع الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، كما تعتبر الدولة الإسلامية أعضاء جبهة النصرة مرتدين لأنهم يقاتلون إلى جانب جماعات مدعومة من الخارج.
ويعتمد تنظيم الدولة الإسلامية على كتابات جهادية لمنظّرين يؤيدون موقفه القاضي بشن حرب ضد من يعتبرهم مسلمين بالاسم فقط، ويلتزم رجال الدين التابعين له بمجموعة من الأفكار التي تختلف كثيراً عما هو سائد، وعادة ما يستخدم التنظيم مؤلفاتهم لتبرير تكفير الدولة السعودية وحكام المسلمين في أنحاء منطقة الشرق الأوسط، ودعم رفض كل القوى والمؤسّسات الرسمية داخل تلك البلدان.
وتشمل المراجع التي يعتمد عليها تنظيم الدولة شيوخاً سعوديين مثل خالد الراشد وناصر الفهد وسليمان بن ناصر العلوان وعمر بن أحمد الحازمي وعلي بن خضر الخضير وحمود بن عقلاء الشعيبي، كما تشمل المصادر الأخرى منظّري تنظيم “القاعدة” كأبي محمد المقدسي وعبد القادر بن عبد العزيز.
وبحسب ذات المصدر، فقد كان أربعة من هؤلاء الشيوخ (الفهد والعلوان والخضير والشعيبي) جزءاً من شبكة أثّرت بصورة كبيرة على تنظيم “القاعدة” في المملكة العربية السعودية في أوائل العقد الماضي، وكذلك على الحركة الجهادية العابرة للحدود الوطنية، وقد كتب هؤلاء الشيوخ بإسهاب عن ردة المملكة العربية السعودية بسبب مساعدتها الولايات المتحدة في تدخّلاتها الإقليمية، خصوصاً خلال حرب الخليج الأولى.