منية بلماحي” تحكي لـ”أرض بلادي”: كيف صنعت مغربية ناجحة مجدها في إسبانيا بين السياسة وريادة الأعمال

أرض بلادي _ حاورها الزميل _عزيز بنعبد السلام

 

تقدم جريدة ارض بلادي برنامجا السيرة الذاتية تحت عنوان “شخصيات …” يعده و يقدمه الاستاذ عزيز بنعبد السلام . البرنامج السيرة الذاتية يستضيف على مدار حلقاته عددا من الوجوه و الفعاليات التي قدمت و لا تزال تقدم خدمات جليلة لهذه المنطقة و الوطن، كما يستضيف ثلة من المجتمع المدني المبادر و الطموح بغرض وشخصيات أخرى تسليط الضوء على تلك الشريحة الواسعة التي تعمل غالبا في صمت من أجل تنمية و رفاهية المجتمع اليوم سيتم تسليط الضوء عن السيدة منية بلماحي رائدة الأعمال وسياسية وجمعوية في بلاد المهجر الإسباني

من بين أصوات الجالية المغربية التي صنعت لنفسها بصمة واضحة في المهجر، تبرز منية بلماحي، سيدة الأعمال والناشطة السياسية والجمعوية، التي استطاعت أن تجمع بين هوية مغربية أصيلة، ورؤية منفتحة على العالم انطلاقًا من عاصمة الأندلس، إشبيلية.

في حوار خاص لجريدة “أرض بلادي”، تكشف السيدة منية عن مسارها، رؤيتها، وتفاصيل إنسانية ومهنية تضيء جوانب من حياة امرأة قررت أن تكون نافذة مشرقة لوطنها خارج الحدود.

طفولة شرقية وصراع من أجل الذات

 

ولدت منية بلماحي في مدينة وجدة، وسط عائلة معروفة بالتفوق الدراسي والالتزام الديني. تقول: “كوني البكر في عائلة من شرق المغرب بمدينة وجدة ووالدي رجل تعليم، فقد كان الانضباط والصرامة جزءًا من يومياتي منذ الصغر”.

اختارت دراسة علم النفس بجامعة محمد الخامس بالرباط، وحققت أعلى النقاط على مدى أربع سنوات، لكن قرار الاستقرار لم يكن ضمن خياراتها، بل شدّها الطموح نحو أفق أوسع، فشدّت الرحال إلى إسبانيا، رغم حاجز اللغة والمجهول.

 

“إشبيلية لم تكن مخططًا، بل جاءت صدفة… وصلت بدون لغة، ووجدت نفسي وسط لهجة أندلسية صعبة، فكان البكاء والارتباك حاضرين، لكن الإصرار أقوى”، تقول منية، وتضيف بفخر: “اكتشفت ذاتي في لقاء بكاطالونيا حين تفاجأ الجميع بلكنتي الأندلسية الجميلة!”.

من علم النفس إلى عالم الأعمال

 

رغم خلفيتها الأكاديمية في علم النفس، وجدت منية شغفها في ريادة الأعمال، وأسّست شركتها El Recreativos El Imperio S.L، التي تخصصت في الاستثمار التجاري والعقاري، وخصوصًا تجهيز المحلات وتحويلها إلى مطاعم تُكرى للغير.

 

“زوجي الراحل كان طبيبًا من أصل سوري، وعاشقًا للمغرب. ساعدني في توسعة مشاريعي، وبعد وفاته، قررت التركيز أكثر على ابنتي الصغيرة ذات الست سنوات، وتوجيه جزء من استثماري نحو المغرب”، توضح منية.

جمعية من أجل الوطن والدفاع عن وحدته

 

بعد خطاب الملك محمد السادس سنة 2010، الذي دعا فيه إلى تفعيل العمل الجمعوي، أسست السيدة بلماحي جمعية المعهد المغربي الإسباني بإشبيلية، والتي جعلت من الدفاع عن الوحدة الترابية ومساندة المهاجر المغربي أبرز أهدافها.

“لم نطلب دعمًا لا من المغرب ولا من إسبانيا، كل أنشطتنا بتمويل ذاتي. أبرزها قافلة طبية إلى العيون، طانطان، وطرفاية، بمشاركة 20 طبيبًا وممرضات إسبان، إضافة إلى محاضرات توعوية داخل مقرات الحزب الاشتراكي الإسباني”، تضيف منية.

 

وقد ساهمت جهودها في إحباط عدد من المبادرات الموالية لجبهة البوليساريو، كان آخرها منع تسمية شارع باسم أمينة حيدر بإشبيلية، بدعم من السياسي الإسباني خوان كارلوس كابريرا.

الهوية السياسية… بين الرباط وإشبيلية

 

انضمام منية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يكن وليد الصدفة، فقد ورثت حب السياسة من عائلتها الوجدية، ومع تصاعد نشاطها، تم انتخابها في مؤتمر الصخيرات عضوًا بالمجلس الوطني للحزب.

كما تنتمي أيضًا للحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، حيث تنسق بين الضفتين لصالح مصالح الجالية المغربية، وتقول: “حققنا اتفاقيات قوية بين الحزبين، من أبرزها دعم لوجستيكي لمناضلي الاتحاد الاشتراكي بعدة مناطق بإسبانيا”.

 

وحول إمكانية ترشحها في الانتخابات المغربية لسنة 2026، قالت: “إذا أتيحت الفرصة لخدمة وطني من داخل مؤسسات رسمية، لن أتردد، لكن ما يهمني أكثر هو أن أكون في موقع تأثير حقيقي يخدم الجالية”.

من وجدة إلى إشبيلية… والأمومة حاضر

 

بعيدًا عن السياسة والعمل، لم تنس منية بلماحي دورها كأم. فقد رزقت بطفلة تبلغ اليوم ست سنوات، تقول عنها: “بعد وفاة والدها، أصبحت مسؤوليتي مضاعفة. أرسلتها إلى المدرسة الفرنسية لتكون مؤهلة للعيش بين ثقافتين، وأجهز لها مستقبلًا في المغرب لأنني أريده أن يكون حضنها الآمن”.

 

تختم منية حديثها بابتسامة واثقة:

“حلمي أن أرى الجالية المغربية في المهجر أكثر تنظيمًا وتأثيرًا، وأن تبقى صورة المغرب مشرفة في كل مكان. كما أتمنى أن أكون قدوة للفتيات المغربيات الطموحات: لا شيء مستحيل بالإرادة والصبر”.

 

وعن الأماكن الأحب إلى قلبها تقول: “كلما سنحت لي الفرصة، أعود إلى وجدة… فيها جذوري وذكرياتي ومصدر قوتي”.

 

منية بلماحي ليست فقط سيدة أعمال أو ناشطة سياسية، بل صوت نسائي مغربي وازن يثبت كل يوم أن النجاح في المهجر لا يعني الانفصال عن الجذور، بل هو امتداد أصيل لهوية وطنية ضاربة في التاريخ.