من تافيلالت إلى قلب مراكش: “الهاشمي سيدي محمد بن إدريس”.. شيخ العلم ووارث المجد

جريدة أرض بلادي – عبد المجيد العزيزي –

في زمن كانت الرحلة فيه مغامرة معرفية وروحية، تشهد مدينة مراكش على قصة رجل حمل إرث الأجداد وعزم العلماء، قادماً من تافيلالت العريقة، حاملاً شعلة العلم والإيمان. إنه الهاشمي سيدي محمد بن إدريس، أحد رجالات المغرب الذين جسدوا قيم التواضع والعطاء في مسيرة علمية ودينية خالدة.

 

الرحلة في التراث العربي ليست مجرد تنقل جغرافي، بل هي فن أدبي وسلوك حضاري، يربط الشعوب ويعزز التفاعل الثقافي. هكذا فهمها أجدادنا، وهكذا جسدها الهاشمي في حياته، ساعياً للعلم كما قال ابن خلدون: “الرحلة لا بد منها في طلب العلم واكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرحلة.”

 

من قبيلة بني هلال، التي تنتسب إلى مولاي علي الشريف، انطلق الهاشمي نحو مراكش ليستقر في حي المواسين، حيث بنى لنفسه مكانة بين العلماء والفقهاء. بعلمه الواسع وتضلعه في أمور الدين، أسس مدرسة الحياة، التي لم تكن فقط صرحاً للتعليم بل منارة للجيل الجديد في دروب الفقه والبلاغة واللغة.

 

لم يكن بيته مجرد مأوى، بل تحول إلى زاوية تعج بالكتب والمخطوطات؛ من “الأجرومية” إلى “الألفية”، ومن علوم البلاغة إلى أعماق الفقه الإسلامي. زاوية الكرم والجود، كما سماها أهل مراكش، كانت شاهداً على نُبل رجل نذر حياته لخدمة الدين والوطن والمعرفة.

 

رحل الهاشمي سيدي محمد بن إدريس في سبعينيات القرن الماضي، لكنه ترك أثراً لا يُمحى في ذاكرة مراكش ووجدان أبنائها. هو مثال حي على كيف يمكن للرحلة أن تصنع التاريخ، وللعلم أن يخلد أصحابه.