“مولاي أحمد بالعربي: الرجل الذي حول مياه الأطلس إلى كنز اقتصادي بمشاركة قبائل الصحراء”

جريدة أرض بلادي – محمد يوشعار –

شهد عام 1933 حدثاً تاريخياً مهماً في منطقة الأطلس المتوسط، حيث برز مولاي أحمد بالعربي كأحد الرواد في استثمار الموارد الطبيعية المغربية من خلال تأسيس نواة معمل مشروبات الماء المعدني “أولماس” في منطقة والماس. لعب بالعربي دوراً محورياً في استقطاب مجموعات من قبائل الصحراء لاستخراج المياه المعدنية من عين “لالة حيا” بتارميلات، وهو ما شكّل خطوة استراتيجية في تاريخ الاقتصاد الوطني.

 

في بداية القرن العشرين، كانت المغرب تعيش على وقع تغييرات سياسية واجتماعية كبيرة، في ظل تزايد التوسع الاستعماري الأوروبي وتأثيره على العلاقة بين الدولة المركزية والقبائل الصحراوية. شكّلت الموارد الطبيعية – ومنها الماء والمعادن – أحد المحاور الحيوية لهذه المرحلة، ما دفع المملكة المغربية إلى اتخاذ خطوات جادة لاستغلال تلك الموارد في ظل تلك التحديات.

 

كانت منطقة والماس، التي تحتضن عين “لالة حيا”، موقعاً استراتيجياً بفضل ثرائها بالموارد المائية التي عُرفت بخصائصها المعدنية الاستثنائية. أدرك مولاي أحمد بالعربي أهمية هذه الثروة الطبيعية وعمل على تنظيم عمليات استخراج المياه المعدنية بمشاركة قبائل من الصحراء، مما ساهم في خلق نواة معمل “أولماس”، الذي أصبح لاحقاً من أهم معالم الصناعة المائية في المغرب.

 

إلى جانب جهوده الاقتصادية، كان لمولاي أحمد بالعربي دور محوري في تعزيز الروابط بين الدولة المغربية والقبائل الصحراوية. من خلال إشراكهم في مشروع استخراج المياه المعدنية، ساهم في تعزيز التعاون بين الدولة والقبائل، وهو ما يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تطوير الموارد الوطنية وإشراك مختلف الفئات الاجتماعية في تنمية الاقتصاد المحلي .

 

أظهر استخراج مياه “أولماس” من عين “لالة حيا” مدى الأهمية الاقتصادية للمنطقة في تلك الفترة. لم يكن المشروع مجرد خطوة لاستثمار الموارد الطبيعية، بل كان أيضاً انعكاساً لاهتمام المملكة المغربية بتطوير مناطق الأطلس المتوسط والاستفادة من ثرواتها المائية في ظل الظروف الاستعمارية السائدة آنذاك.

 

ما بدأه مولاي أحمد بالعربي عام 1933 كخطوة أولى في استثمار مياه عين “لالة حيا”، أصبح اليوم إرثاً اقتصادياً مستمراً. معمل “أولماس”، الذي تطور ليصبح من أبرز منتجي المياه المعدنية في المغرب، يُعتبر شاهداً على رؤية استباقية اعتمدت على استغلال الموارد الطبيعية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز السيادة الوطنية على الثروات المحلية.

 

لا شك أن دور مولاي أحمد بالعربي في تأسيس معمل مياه “أولماس” واستقطاب قبائل الصحراء يشكّل جزءاً مهماً من تاريخ المغرب الاقتصادي والاجتماعي. هذا الإنجاز التاريخي لم يكن مجرد محطة عابرة، بل أسس لنموذج تنموي يستمر أثره حتى اليوم، جامعاً بين استغلال الموارد الطبيعية وبناء علاقات اجتماعية قوية قوامها التعاون والتنمية المستدامة.