أطفال الشوارع

جريدة أرض بلادي_الدار البيضاء_

الدكتور عبد العزيز حنون_طبيب صحة وقائية_إعلامي_

و جدته يبكي بحرقة ويحضن بين يديه كرة حمراء اللون، يضغط عليها بين الفينة والأخرى فيجدها رخوة غير متماسكة “مفشوشة” ثم يشهق بصعوبة ويهمهم بكلمات غير مفهومة ويفول علاش علاش! ويعيد نوبة البكاء من جديد. سالته عما أصابه، لم يستطع الإجابة. ناب عنه صديقه. قال “شرك ليه البالون ديالو ، راه غالي شراه ب 8 آلاف ريال”. فهمت أن واحدا من آصحاب العقول في زعمه أزعجه لعب الأطفال في الدرب فخرج إليهم وسطا على الكرة ومزقها بسكين!
حقا، أطفال المدن يعيشون إقصاء مزدوجا، داخل المنازل وخارجها

داخل المنزل هناك الاكتظاظ.كل صندوق بؤس من فئة 54 متر مربع يضم من ستة إلى عشرة أفراد، الطفل فيها لا مكان له وممنوع من الحركة و مطلوب اليه دائما أن يصمت أو ليخرج إلى الزنقة ليلعب للتخلص من “شغبه” ..وفي الشارع مرفوض لأن نشاطه و ديناميته وسط مجموعة الاقران تدخل عند “الكبار” في خانة الضوضاء والشغب.

أين الفضاءات الخاصة بالأطفال يا أصحاب الفهامات.. هم بحكم الحاجة الفطرية للعب يبدعون في الوسائل المتاحة. يبحثون عن كل ساحة مهما ضاقت، أو جزء من طريق جانبي غير مأهول، ويضعون حجرتين، و تبدأ المباريات التي تتواصل الساعات الطوال بلا انقطاع. كما قد يجعلون من أبواب الحوانيت المغلقة شبكة متخيلة يتبارون فيها عمن يستطيع التسديد بدقة في الزاوية، “كرف كركلف” طوال اليوم. من الكبار من لا يطيق كل هذا ويبدأفي التهديد ..”سيرو بعدو من هنا ولعبو.. راه يلا خرجت غادي نشرك هاديك الجلدة ونهنيكم منها”.. سيناريو يتكرر دائما..كر وفر !

أفهم جيدا، وأنا الطفل سابقا، ماذا عانى هذا الشبل كي يظفر بكرة. كم عاش من الاحلام والمتمنيات. كم تطلب مشروع شراء كرة من الوقت كي يجمع قيمتها درهما درهما. فعلا أمر محبط أن يتبخر كل شيء بنزوة واحد من أصحاب القامة ولا عقل .

أطفال الشوارع ليسوا فقط أولائك الذين يعيشون بلا مأوى حسب ما هو متعارف عليه. أطفال الشوارع قاعدة عريضة من أولائك المبعدين في كل اتجاه : داخل المنزل ،سكن غير لائق “أكفسه “السكن الاقتصادي، و في الشارع لا ملاعب قرب تخصهم، حتى الموجود منها على قلته محتكر من طرف الكبار. و في المدارس غياب تام للانشطة الموازية. باختصار طفولة معذبة و وضعية مأساوية بكل المقاييس زاد من تعقيدها أكثر وباء كورونا.

رغم كل هذه الاكراهات، و من رحم هذه المعاناة، يحاول الاطفال الاستمرار في العيش، و يبتكرون وسائل للعب والفرح بما يناسب كل وضعية مهما تعقدت، لولا أن ما يسمى بالكبار دائما يكونون لهم بالمرصاد ويفسدون عليهم فرحتهم…