إبداعات تلاميذ ثانوية صالح السرغيني في كتاب

جريدة أرض بلادي_ليلى التجري_

بقلم : الكاتب المغربي مصطفى لغتيري

أقدمت الثانوية التأهلية صالح السرغيني بمدينة ابن جرير على جمع شتات إبداعات تلاميذها في كتاب، وقد كتب تقديم هذا الإصدار الكاتب المغربي مصطفى لغتيري، وجاء فيه:

يكاد يكون الإنصات العميق لنبض الجيل الجديد من ناشئة الأدب هو الغاية القصوى من هذه المبادرة الثقافية والتربوية المهمة، التي تجعلنا في تماس مع أصوات شابة، تحاول أن تنسج نصوصا أدبية، تعبر عن ذواتها أولا، وعن الجيل الذي تنتمي إليه ثانيا، جيل الفايس بوك وتويتر وتيك توك، الذي ابتدع وسائل تعبيرية جديدة، تتميز بالقصر والخفة والسرعة، متماهيا في ذلك مع الثورة المعلوماتية، التي غزت العالم عن بكرة أبيه، وحققت عولمة تتسم بالإكراه في انتشارها، فحتى اكثر الناس عزلة أضحى هدفا لهذا التنميط الثقافي الكاسح والمتواصل.
رغم هذه العولمة الجارفة، التي لا تبقي ولاتذر ، فمن حسن حظنا أننا نعثر دوما على استثناءات جميلة، تعيد الأمل إلى القلوب، فتجعلنا نحلم بأن الممانعة الثقافية ما تزال ممكنة، وأن هناك دوما شابات وشباب يؤمنون بالكلمة المبدعة، يرسمون بحبرها أحاسيس فردية وجماعية، تشكل الوجدان، وتمنح للمتلقي فرصة لإعادة ترتيب فهمه للواقع الاجتماعي والثقافي، انطلاقا من نصوص أدبية واعدة، كما تؤكد لنا أنه حتى في أقصى درجة الانبهار بالتقنية الحديثة ما تزال هناك قلوب حاضنة لنبض أبنائنا، تسهر بصدق وأمانة على محاولاتهم التعبيرية، لتجمعها بين دفتي كتاب، يحفظ النصوص من الضياع، ويمنح أصحابها أملا متجددا في غد أدبي أفضل.
في هذه التجربة الإبداعية تتجاور الأجناس الأدبية الأكثر انتشار بين فئة الشباب: الشعر والقصة، وقد تميزت هذه النصوص بثيمات معينة، حسب كل جنس على حدة، فبينما ركز الشعراء كعاداتهم في تجاربهم الأولى على موضوعات الطبيعة والحب والحرية والموت والوحدة والخيانة، وقد تميز كل ذلك في نصوصهم بلمسة رومانسية حزينة، تتماشى مع طبيعة سنهم كما هو الشأن بالنسبة للمبدعين: سلمى العيادي وسلمى نور واسماعيل زياني وسفيان الحراق وسعاد عنيبة وسعد الدين بلكلمات وسلمى البوشي وفاطمة الزهراء زكري، فيما اختارت المبدعتان هداية وشرع وخولة لكريمي وجيهان الشافق ثيمتي الأم والطفولة.
أما بخصوص القصص فكانت اكثر ارتباطا بالواقع الاجتماعي خاصة مع المبدعتين نصيرة شامخ وحنان بنمورش، فلامست قصصهم معاناة الأطفال في أوساط مضطربة، بسبب الفقر والتفكك الأسري، بينما فضلت المبدعات كوثر العضراوي وإكرام اليونسي وإيمان بشري قصص المغامرات، مستفيدات في قصصهن من وسائل التواصل الحديثة كالتلفزيون وأفلام الكرتون، محاولات التركيز على الصياغة الفنية الجميلة، ذات التشويق العالي، من خلال توظيف الحلم في بعض القصص والنهاية غير المتوقعة في قصص أخرى، فيما اختارت المبدعة نور الهدى ثابث نصا يتموقع بين منزلتي الشعر والنثر، متغنيا بأمنا الأرض.
إنها تجربة عميقة وجميلة وواعدة، أتمنى أن تتبعها تجارب أخرى، فهي بحق تعد مشتلا حقيقيا للإبداع الأدبي في اوساط التلاميذ، والذي لا بد أن تنمو شجرته تدريجيا وتينع ثمارها بعد حين، ليتناولها عشاق الأدب هنيئا مريئا.