الأدب حليف أساسي للتربية» مصطفى لغتيري من كتاب: الأدب في خدمة التربية

جريدة أرض بلادي_ليلى التجري_

تراهن التربية في أهدافها القريبة والبعيدة على إكساب التلميذ كفايات أو مهارات معرفية وسلوكية وتواصلية ووجدانية، تتعلق هذه الأخيرة بالقيم بشتى أنواعها: وطنية وقومية ودينية وإنسانية. ولا يخفى على أحد أن الأدب يعد حليفا أساسيا للتربية في تحقيق الكثير من مهامها الحيوية، وسنتطرق في مقالنا هذا إلى مساهمته في تأثيث البعد الوجداني لدى التلميذ بما يناسبه، والمقصود تحديدا القيم النبيلة، التي تسعى التربية جاهدة إلى ترسيخها في عقول التلاميذ وسلوكاتهم، من قبيل قيم التسامح والتكافل واحترام الغير والجد والمثابرة والعفة والقناعة وتقدير الذات والمحافظة على البيئة، وما إلى ذلك من القيم.
أظن بداية أن لا أحد يجادل في أن الأدب يعتبر مناصرا ومساندا أساسيا للتربية في هذا المجال، باعتباره حمالا لمضامين، تتدرج في مضامينها وصيغها حسب التطور العمري للتلميذ، من البساطة التجسيدية إلى العمق التجريدي. ففي المرحلة الابتدائية يقدم الأدب للتلميذ نصوصا شعرية وقصصية ومقالات ذات صوغ أدبي تروج لهذه القيم، منها ما يكون متضمنا في الكتاب المدرسي، ومنها ما يكون مستقلا في قصص ودواوين أو في مجلات متخصصة، يقبل عليها التلاميذ بتحريض من المدرسين والآباء على حد سواء. ويمكن أن نستدل على ذلك بتجربتين هامتين، لا يمكن لأحد أن ينكر أهميتهما بالنسبة لأجيال المتعلمين المغاربة، الأولى ذات طابع عربي، قدمت نصوصا في أغلبها مترجمة عن الآداب العالمية، فكان الإقبال عليها وما يزال منقطع النظير، وأقصد تحديدا قصص المصري محمد عطية الأبراشي، التي توارثتها الأجيال بشكلها المعلوم الذي لا تبغي عنه بديلا. أما التجربة الثانية فهي مغربية قلبا وقالبا، ساهمت في مغربة قصص الأطفال بشكل وافر، وأقصد بها تجربة العربي بن جلون القصصية، التي أغنت المكتبة المغربية بكثير من النصوص الموجهة إلى الأطفال وإلى اليافعين من الشباب على حد سواء. وقبل هذه التجربة كانت نصوص أحمد بوكماخ المضمنة في الكتاب المدرسي، تؤدي نفس الدور تقريبا.
هذه النصوص العربية والمغربية تضافرت في ما بينها لنقل قيم نبيلة للتلميذ، من قبيل الكرم والبطولة والتعاون والتكافل والصدق والإيثار والوطنية، وغيرها من القيم التي تعد الناشئين ليكونوا في المستقبل مواطنين صالحين لبلدهم وللإنسانية جمعاء.
وفي مرحلة متوسطة من عمر التلميذ، تجد التربية الأدب خير معين لها في تطوير نظرة المتعلم إلى القيم، وخاصة في الأسلوب الذي يمرر بها إلى أذهان النشء. فمن منا لم يقرأ كتب مصطفى لطفي المنفلوطي وجبران خليل جبران وأشعار إيليا أبي ماضي ونزار قباني، وتشبع بقيم الحب والتمرد على السلوكات القبيحة المتداولة في المجتمع من قبيل النفاق والاستغلال والظلم بشتى أنواعه؟ وما أن يقطع التلميذ هذه المرحلة بعد أن تتشبع روحه بالمثاليات، فتملأ في نفسه فراغها العاطفي، وتجعل روحه ترفرف عاليا في سموات الأحلام والأماني والطموح الرومانسي لتغيير العالم من حوله، حتى يجد الأدب مرة أخرى في انتظاره ليقدم له نصوصا تشذب «تمرده» وتفتح عينيه على واقعية المجتمع والعالم من حوله، فيتلقى نصوصا أدبية تعرفه أكثر على نفسه والعالم من حوله بشكل أكثر موضوعية، فيقرأ لنجيب محفوظ ومحمد زفزاف وأحمد بوزفور في النثر، ولبدر شاكر السياب وأحمد المجاطي ومحمود درويش في الشعر، فيتشبع بقيم المجتمع في واقعيته، وبقيم العروبة في أبعادها المتنوعة، ثم ينفتح بعد ذلك على القيم الإنسانية الممثلة في التسامح وقبول الآخر المختلف والتعايش معه. فالأدب، بحكم النسبية التي تحكم أفكاره وتصوراته ونصوصه، يساهم بشكل فعال في إكساب التلميذ كل هذه الأبعاد القيمية النبيلة. هكذا، ومن خلال هذا الجرد البسيط لعلاقة التربية بالأدب، يمكننا أن نقتنع أن الأدب بالفعل حمال قيم، وهو -بلا جدال- مناصر للتربية في الدور الجليل الذي تقوم به خدمة للنشء وللمجتمع.