التجربة الدانماركية 

_ جريدة أرض بلادي _

_ابراهيم مجد _

إن المتتبع للأحداث التي رافقت سقوط اللاعب الدولي الدانماركي على أرضية الملعب في المقابلة التي جمعت فريقه مع فنلندا برسم أورو 2020، يجد نفسه في خضم متابعة مشاهد ومواقف متسلسلة متناسقة لفيلم لا علاقة له بذلك الذي شاهدناه على الشاشة العربية، فيلم تعليمي أخلاقي وإنساني.

تبدأ مشاهد الفيلم مع وصول المباراة لدقيقتها 43 بتمريرة من التماس في اتجاه اللاعب إيربكسون الذي تصطدم به الكرة ويسقط مغميا عليه وسط ذهول اللاعبين والجمهور، لتبدأ تفاصيل الدروس التطبيقية.

لاعبو الفريق الخصم يتوقفون عن المنافسة على الكرة، الحكم واللاعبون ينادون على الطاقم الطبي، عميد المنتخب الدانماركي يتوجه نحو زميله الملقى على الأرض ويغير من وضعية استلقائه على جنبه الأيمن لتجنب بلع اللسان ومنع التنفس وتجنب امتلاء قصبته الهوائية في حال كان قد تقيء، وفي تلك الأثناء كان الطاقم الطبي قد وصل رغم أن مكان السقوط كان في أبعد نقطة من تواجد الطاقم الطبي، كان كل شيئا معدا بإحكام، كان الطبيب يحمل جهاز صاعقا لتحفيز القلب وجهازا للتنفس وربما أجهزة أخرى لم تكن حالة اللاعب تستدعي استعمالها، مستشفى متنقل في أيادي شخصين اثنين؛ الطبيب والمساعد، كان معهما في حقيبتين صغيرتين ما تعجز مستشفيات بكاملها عن توفيره، شكّل اللاعبون الدانماركيون سياجا على محيط مسرح العمليات، تاركين مسافة كافية بينهم وبين اللاعب المغمى عليه والذي كان يتلقى الإسعافات الأولية من الطاقم الطبي، لا أعناق تشرئب، ولا استراق للنظرات من اللاعبين الذين فضل بعضهم الالتفات شطر الجمهور تاركين الطاقم يؤدي واجبه بالأريحية المريحة، مخرج المقابلة نأى عن نقل منظر الموت، اكتفى بإطار بعيد عن مسرح العمليات، لم يستعمل الزوم ولم يسترق الهفوات، خطيبة اللاعب أيريكسون نزلت لأرضية الميدان ولم تطأ أرضية الملعب، وقفت عند خط الملعب، ولم تتجاوز الصباغة البيضاء، وتكلف عميد المنتخب الدانماركي بالتواصل معها، يتنقل بينها وبين مسرح العمليات وينقل إليها حالة خطيبها بأمان، لاعبو الفريق الخصم تجمعوا في مكان بعيد عن نظرائهم، توقفت دقات قلوب الجمهور، وخيم الحزن والصمت المطبق، كان المخرج بين الفينة والأخرى يصوب عين الكاميرا على الجمهور لترتسم على الشاشة أشكال من تقاسيم الحزن والألم والأحاسيس الجياشة، انتهت الإسعافات الأولية ونجح الطويقم الطبي من إرجاع قلب إريكسون للخدمة، وتركيب أنبوب التنفس الاصطناعي وجاءت لحظة نقله للمستشفى، حيث استمر تطويق الزملاء لزميلهم بحائط بشري وستار من الثوب لكي لا يتفرج العالم على لحظة موت ولحظة ضعف لإنسان يصارع سكرات الموت يكاد قضاؤه يُحَمّ، لم تجرؤ عدسات الكاميرا على التقاط مشهد من مشاهد الاحتضار ، أوقفت الويفا المباراة.

وصل أريكسون إلى المستشفى بمدينة كوبنهاجن حيث استعاد وعيه وتحسنت حالته واستأنفت المباراة، بالممر الشرفي الذي أعده لاعبو المنتخب الفنلندي، والذي مر منه أصدقاء إريكسون تحت تصفيقات لاعبي الفريق الخصم.

إن مرور الأحداث بهذه السلاسة والحرفية وعميق الأحاسيس الإنسانية، يعني شيئا بسيطا هو أن كل واحد من أطراف هذا الحدث قد أدى واجبه دون زيادة أو نقصان، أحيانا يريد البعض أن يتجاوز واجباته بدافع نبيل لكن النتائج قد تأتي عكس ما تقتضيه التجربة الدانماركية.