التغافل الذكي

بقلم : عبد اللطيف بوهلال

التغافل فن من فنون الحياة الاجتماعية ومهارة من مهارات الذكاء الاجتماعي، وهو يعني في مفهومه الاجتماعي: التظاهر بعدم الانتباه لزلات وهفوات الآخرين، والعفو عن أخطائهم دون إشعارهم بارتكابهم لها، والتجاهل أو التغافل له مظاهر عدة، أما يكون تجاهلاً للشخص المسيء في سلوكه وتصرفاته، وكأنه غير موجود، حتى ينتبه ويعود لرشده وبالتالي يعتذر عما بدر منه، وقد قيل في الحكم: إن القليل من التجاهل يعيد كل شخص إلى حجمه الطبيعي. أو تجاهلاً للأحداث والمواقف المؤلمة، وجعلها وراء ظهورنا بأن نبدأ صفحة جديدة في حياتنا الاجتماعية، بل وجعلها منطلقاً وثاباً نحو حياة أجمل وأمل مشرق. أو تجاهلاً للعبارات الخارجة عن قواعد الذوق العام والقيم الأخلاقية،

يقول أحد الموظفين:

عندما ترقيت إلى منصب  مدير

كان من ضمن الموظفين عندى شابٌ نشيطٌ جداً ،

وناجحٌ في عمله ،

وكان يقوم بكل ما يطلبُ منه بذكاءٍ وسرعةٍ ودقةٍ ،

كما أنه يحقق نسبةَ إنجازٍ عاليةً ، لكنه كان لعوباً إلى حد ما

فلقد كان يغادرُ مقرَّ عملهِ كثيراً بدون إذن ،

حتى أن إجازاتُه وأذوناتُه أكثر من المُعتاد

ذاتَ مرة تقدّم الشاب بإجازة ليسافر مع أصدقائهِ في رحلة

لكنني رفضتها

فما كان منه إلا أن تقدَّم بإجازةٍ مرضيةٍ ،

واتصل مدعياً المرض معتذراً عن الحضور

ولأنني أعرف أنه ليس مريضاً

ذهبتُ صباحاً إلى بيته وانتظرتُ هذا الشاب باكراً ثم قابلته وهو يحمل عدّة الرحلات

كاد الموظف يذوبُ خجلاً ،

ووجههُ يتقلّب بين الخجلِ والحرج

للأسف ،

بينتُ له أنه لم يكن قادراً على خِداعي ، وأنني لستُ بتلك السذاجة التي يظنُّها

وبرهنت له أنه كاذب ،

وخصمتُ عنه أجرَ اليوم مضاعفاً

لكن ماذا حصل بعد ذلك

بعد أيامٍ ،

تقدَّم الشابُّ باستقالته

ومن جهتي ،

خسرتُ جُهده ونسبةَ الإنجاز العالية التي كان يُحققها ،

ولم يعُد بالإمكان أن أرفع لإدارتي العليا نسبَ الإنجاز السابقة ، وصرتُ بحاجةٍ للبحث عن شاب يمكنه أن يحقِّق ذات الإنجاز وهم قليل

لقد كان غباءاً منقطعَ النظير ،

فما  الذي استفدتُه من ذلك…  ؟

يومها ،

إكتشفت أنَّ بعض ما نخسره في حياتنا ، يكون بسبب التضييق على الآخرين ، وإغلاق منافذ الهروب

ما يجعل الطرف الآخر،

: أمام خيارين

إما أن يهربَ مِنك  وتَخسر جهده  أو يتخذك عدواً فيكيدُ لك  ويدعو عليك وسيتراجع نشاطه كنوع من الدفاع عن النفس .

وفي كلتا الحالتين ستكونُ خاسرا

لذلك،

أجدُ  أنه من المناسبِ أن تختارَ اللحظةَ ، لتسمحَ للطرفِ الآخر أن يتراجَع ، أن يهربَ بِكرامة ،

فبعضُ التغافل مفيدٌ جداً

لن تكون منتصراً فعلياً فيما لو كشفتَ المرء أمامكَ وأمام نفسه حد التعرية ،

حيث لن يجد بداً من المواجهة أو الهروب

فالتجمُّل و التّغافل هو ورقة التوت التي تسترنا وتحمينا.

ليس الغافل بسيد في قومه

لكن سيد قومه المتغافل

الأفضلُ دائماً أن تفتحَ لخصمكَ طريقاً يخرجُ منه كريماً فيحترمُك ، بدل أن تُحرجه فيُعادِيك

لا يُشترط أن تفوزَ بكل المعاركِ فبعضُ الفوزِ هزيمة

ولا تُحرق مراكبكَ أبداً  ،

فقد تحتاجها قريباً

🧑‍🦯هذه إهداء لكل أب وأم ولكل زوج وزوجة ولكل الاخوه والأصدقاء ولكل مدير ومديرة ومعلم ومعلمة

فلابد أن تكسب الجميع بنوع من التغافل الذكي والتجاوز ،

وذلك ليس غباء ،

بل هو منتهى الذكاء والفطنة.