الجواب الشافي لإتاوة وقوف السيارات في الشارع العام

جريدة أرض بلادي _ إبراهيم مجد _

من المواضيع الرائجة حاليا في مواقع التواصل الاجتماعي موضوع حراس السيارات المزورين، الذين يستحوذون على جزء أو أجزاء من الشارع العام ويفرضون إتاوة على السيارات المركونة في الشارع العام بدعوى كونهم حراس لموقف السيارات، وقد ظهرت على الأقل صفحة واحدة على الفيسبوك ضد ما يسمى “مول الجيلي أصفر” يقارب عدد المشتركين بها مائتي ألف مشترك.

والبحث عن ظاهرة انتشار “حراس السيارات” يقود إلى وجود على الأقل ثلاثة أصناف :

الصنف الأول : يكون فيه “حراس السيارات” عمال يشتغلون لدى شركة ( شخص معنوي) وتكون هذه الشركة متعاقدة مع الجماعة بعد فوزها بصفقة إيجار المرابد أو الباركينات.

الصنف الثاني : أشخاص ذاتيون تقدموا بطلبات للجماعة ومنحتهم الجماعة بناء على طلباتهم رخصة الاحتلال المؤقت لجزء ومسافة من الشارع العام .

الصنف الثالث : أشخاص يقومون بهذه المهمة “حراسة السيارات” من تلقاء أنفسهم ودون حصولهم على اية وثيقة تخول لهم ذلك.

ومعلوم أن القوانين المنظمة لتدبير أملاك الدولة وأملاك الجماعات تفرق بين نوعين من الأملاك؛ ملك خاص وملك عام.

الملك الخاص يمكن التصرف فيه بالبيع والشراء والرهن والتفويت والهبة وجميع أنواع التصرف تماما كأي شخص ذاتي وبطبيعة الحال مع احترام المساطر القانونية التي تضمن الشفافية والمنافسة والترشيد، أما الملك العام فالطريقة الوحيدة لانتفاع الغير به هي الاحتلال المؤقت.

وقد أثار كراء الجماعات لمواقف السيارات عدة مظاهر سلبية في صفوف مستعملي السيارات الذين يعتبرون ذلك بمثابة تحملات وتكاليف مالية إضافية مفروضة عليهم بدون وجه حق وتشكل ضربا لقدرتهم الشرائية وتقييدا لحريتهم وحقهم في الشوارع والطرق والأزقة العمومية والاعتداء على ممتلكاتهم وقد أنصفت المحاكم المغربية أصحاب السيارات في العديد من القرارات التي حكمت فيها مثلا ببطلان استعمال الكماشة “الصابو” مع تعويضات لصاحب السيارة.

كما أن إيجار الجماعات للمك العام في واقعة الشارع العام يفتقد إلى السند القانوني الواضح ناهيك عن التراخيص بالاحتلال المؤقت التي يستفيد من خلالها بعض الأشخاص في المدن الكبرى كالدار البيضاء من مساحات معينة من الشارع العام، وصعوبة التأصيل القانوني لإيجار الملك العام في هذه الحالة تزداد حينما ترتبط بعملية الاستخلاص؛ ذلك أن الأشخاص المرخص لهم لا يمتلكون الصفة القانونية التي تسمح لهم باستخلاص أموال من المواطنين والتي هي في الأصل (إن استحقت) تكون عبارة عن وجيبات وأتاوى ورسوم مستحقة لفائدة ميزانية الجماعة، ولا يجوز استخلاصها إلا من طرف من يحمل صفة شسيع أو جابي أو حسيوبي، وبالتالي فإن استخلاص”حراس السيارات” لإتاوة الوقوف تبقى مسألة غير قانونية بل تعتبر مخالفة يعاقب عليها القانون.

وفي خضم هذا السجال القانوني والفقهي حول كراء الشارع العام، صدر بالجريدة الرسمية ليوم 22 يوليو 2021 القانون 57.19 بمثابة نظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية والذي يبدو أنه سيكون من الصعب في ظله مستقبلا على أية جماعة إيجار الشارع العام، أو منح رخص احتلال جزء منه، كما جرت العادة سابقا، فقد اعتبر هذا القانون بكل وضوح في المادة 4 الطرق وملحقاتها ضمن الملك العام الجماعي (إذا لم تكن مصنفة ملكا عاما للدولة) كما حدد طرق منح الترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العام الجماعي إما بدون إقامة بناء بواسطة قرار لرئيس الجماعة استنادا على قرار تنظيمي مصادق عليه من طرف المجلس أو احتلال مؤقت بإقامة بناء بواسطة قرار لرئيس المجلس بعد مداولة وموافقة المجلس، وإذا كان الغرض تجاريا أو صناعيا أو مهنيا ينبغي التقيد بمبادئ المنافسة والشفافية والنزاهة وفق دفتر للتحملات وإجراء مزايدة سيتم تحديدها مستقبلا بقرار مشترك لوزير الداخلية ووزير المالية.

ومن خلال تصفح مواد القانون 57.19 تبين أن هدف المشرع من خلال هذا النص هو عقلنة وتوحيد مساطر تدبير الجماعات لممتلكاتها الخاصة والعامة وتحقيق الحكامة والنجاعة في تدبير الرصيد العقاري الذي يعتبر مؤشرا تقاس به إمكانيات الجماعة وقدرتها على تحقيق تنمية القرب كواحدة من أبرز الاختصاصات الذاتية للجماعة.

كما سيكون من الصعب إثر دخول هذا القانون حيز التطبيق التحايل أو تكييف بعض مواده من أجل منح رخص الاحتلال المؤقت لفائدة ما يعرف بحراس السيارات، علما بأن هذه التسمية “حراس السيارات” هي ضبابية ليس لها تأصيل في القانون أو في العرف، ولا يتوفر ممارسوها على الوضعية القانونية التي تسمح لهم بممارسة هذا النشاط أو التصريح بالعمل والخضوع للتضريب على الدخل والتأمين على المحروس.

وحتى إذا ارتأت الجماعة سلوك مسطرة التدبير المفوض لمواقف السيارات بترابها أو جزء من ترابها وفق القانون رقم 54.05 بتاريخ 14 فبراير 2006 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة الذي يسمح للأغيار ( غير الجماعة) بتحصيل الإتاوات والرسوم كما هو الشأن مثلا لمرفق النقل الحضري ووكالات توزيع الماء والكهرباء، فإن أجرأة هذه المسطرة ستكون غاية في الصعوبة؛ ذلك أن الشارع العام سيكون مسجلا بسجل الجرد المشار إليه في المادة 03 من القانون رقم 57.19 تحت مسمى شارع أو طريق أو زنقة أو ملحق شارع، وبالتالي لا يمكن منح ترخيص للغير باحتلاله لأن استعماله مخصص للسير والمرور وضمان سيولة وسهولة المرور وفك العزلة، ولا يمكن كذلك تجزيئه أو تقسيمه وتفويض تدبير جزء منه لأن ذلك سيكون بمثابة سوء تدبير لملك عام.

باختصار شديد فإن الملك العام يشكل إحدى أولويات المشرع المغربي وقد خصه المشرع بعناية فائقة لحمايته من سوء التدبير ومن الانزلاقات السياسوية، فهو ملك لجميع المواطنين (انطلاقا من التسمية) أما الجهة المالكة له (الدولة أو الجماعة) فهي تملك فقط تدبيره وتسييره وفق ما ينص عليه القانون ووفق ما تقتضيه المصلحة العامة، ومن واجبها حمايته من كل اعتداء أو ترامي أو استغلال غير قانوني.

ويبقى أمام الجماعات التفكير والعمل على إحداث مرابد خاصة للسيارات يمكنها إيجارها وكراؤها للغير بوجه أحمر ودون خجل.